الأحد، مايو 20، 2012

حوارٌ تربوي في «تحية الإسلام»



بسم الله الرحمن الرحيم
[هذه نموذج (تقريبي) لحوار بين معلمٍ وطلابه كتبته -في إحدى السنوات- من أجل طلاب مركز التهجئة والتلقين بالجامع الكبير بمحافظة البكيرية]


أبنائي الطلاب،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه -يا أعزائي- تحيَّةُ الإسلام، يحيي المسلمُ بها أخاه المسلمَ، وإذا انتشرَ السلامُ بين المؤمنين انتشَرَت المحبَّةُ. فقد قال نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)).
(ما معنى (أَفْشُوا) يا أحبائي؟
(أَفْشُوا) أي انشروا وأظهروا).
فإذا دخلتَ الفصلَ فقل السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، وإذا رجعتَ إلى البيت فسلِّم على أهلك، وإذا مررتَ بأي مسلمٍ فألقِ عليه السلام.


- أحبُّ أن أسألَكم يا أحبائي، ومن يُجِبْ منكم ينَلْ جائزةً مني !


س/ إذا قابلتَ في الطريق مسلما أكبر سنا منك، فمن الذي ينبغي عليه أن يبدأ بالسلام؟
ج/ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يسلِّمُ الصغيرُ على الكبير))، يعني -يا أبنائي- أن تقول أنتَ (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ويقولَ هو: (وعليكم السلام ورحمةُ الله وبركاتُه).




س/ إذا كنتَ قاعدا، ومرَّ بك مسلمٌ يمشي، فمن الذي يسلِّم، أنت، أم هو؟


ج/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والمارُّ على القاعد))، فالذي يمشي هو الذي يسلِّم، والقاعدُ يردُّ السلام يقول: (وعليكم السلام ورحمةُ الله وبركاتُه).


س/ إذا كنتَ راكبا مع أبيك في السيارة، ورأيتَ مسلما يمشي على رجليه؛ فمن الذي يبدأ السلام، الراكب أم الماشي؟


ج/ قال عليه الصلاة والسلام: ((يسلِّم الرَّاكِبُ على الماشي)).


س/ إذا قمتَ من الحلقة وحدك لتذهب إلى المدير، ثم مررتَ بحلقة الأستاذ ( ... ) فمن الذي يقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أنتَ، أم هم؟


ج/ قال خير البشر صلى الله عليه وسلم: ((والقليلُ على الكثير)). يعني أن تسلِّم أنت عليهم لأنك واحدٌ، وهم كثير.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




ناصر بن عبد الله الخزيّم

موارد العنف !



بسم الله الرحمن الرحيم






أشارَ عليَّ قريب ذو قدر كبير عندي، بأنْ أنشرَ شيئا في أمرِ البلاي ستيشن وما ينشأ عنه من أضرار. ثم أتبَعَ حديثَه بكليمة عن لغة العنف في الإعلام والسياسة... وأحبُّ أن أقف مع العنف الصادر عن الألعاب الالكترونية والأفلام وما إليهما، والعنفِ في لغة السياسة، وقفةً عابرة لا دراسة تأصيلية فاحصة. –إذ لستُ من الخبراء في شأن تلك الألعاب وما كُتِبَ فيها- حاذفا من حديثي العنف في الأسلوب الذي يصدر من الجاف في تعاملِه مع الناس، فأقول:






 إنَّ من طبائع العنف: استسهال الدمار في سبيل تلبية الحاجات النفسيَّة. ومن سماتْ العنيف: قِصَر نظَرِه إلى مآلات الأشياء التي يُقْدِم عليها.






هكذا هو بالون العنف سواء نفخَتْه أفلامُ وألعابٌ إلكترونية، أو نفخَتْه الأفكار!.






تقومُ بعض الأفلام والألعاب على تزيين العنف في نفوس المتلقِّين الصغار وذلك بعرِض أسلحة متنوعة في أيدي أشكالٍ من بني آدم غريبة يستعملون تلك الأدوات بحركاتٍ مثيرة جاذبة، وبتسلسل سينمائي محبوك.


وقد تتردد الصور التالية في هذا المنتَج:


-     يظهر الدم حين يسيل من فم البطل أو أنفه ثم يمسحه بظاهر كفِّه.


-     البطل يهوي من مكان شاهقٍ، فارا من رجال الشرطة.


-     البطل يحطِم زجاج دكانٍ أو بيت أو سيارة بيده.


-     يفقد بعض أفراد العصابة ولا يزيده ذلك إلا إصرارا.


-     تجتمع عليه الدنيا فلا يستسلم!


-     ولا يُغلَب !


-     يجهِّز بعض مهماتِه الخطيرة جدا في حال دقات ساعة القنبلة، التي ستدمر كلَّ ماحولها.


-     يفرِّ من مكان الانفجار بمهارة فائقة!


-     يُطعن أو يرْمى بالرصاص، فيغطي جرحَه، أو ينزع الرصاصة! ويُتمّ معركَتَه.


-     يصحَبُ تلك الأحداث ما يناسِبُها من الموسيقى.


-     ويكون الحبُّ حدثا مهما، وتكون الحسناءُ عنصرا حاضرا بقوة.






النتيجة: هيجة نفس المتلقي + يتخيَّل ما لا يُعقَل أن يكون ممكنَ الحصول، وقد يضيف عليه من خياله ما هو أغرب + ترخُص في نفسِه القيم التي رآه رخيصة عند البطل الباهر! + جرعات أخرى من الأفلام –أو الألعاب- المشابهة= سلوك العنف !






هذه المعادلة تجِد جوابَها في العديد من أخبار الجريمة.






هذا المورِد يُغفِلُه بعضُ المتحدثين في شأنِ العنفِ والإرهاب، ويجعلون (أحاديَّة الرأي) و(التدين) من أهم أسباب العنفِ، ويمارسون لذلك ضغوطًا سياسية وإعلاميَّة ولغوية (=اصطلاحيَّة)... ونطق بعضُهم بالمضحكاتِ في هذا الشأن. ولا عجب. إذ كلٌّ يُنفِقُ مما عندَه.






وإنَّ استلامَ هؤلاء لكبريات المنابر الإعلاميَّة يجعلُ حِمْلَ وقاية أبنائنا من مشكلات العنف السلوكي الذي يجدونه في تلك الأفلام والألعاب: ثقيلا. هذا هو المُفتَرض لمكانِهم من الإعلام، ولتنديدهم بالعنف -وبعنف!-.






وأهلُ السنَّة –بحق- لم يهملوا الجانبين، بل هم كثيروا الدعوة للناس إلى ترك تلك الأفلام والألعاب التي تلعبُ في عقولهم وتفري في أخلاقهم.


وحاربوا العنف الفكري، ودرسوا أسبابَه، ولم يجنحوا فيما كتبوه وقرروه إلى التخرُّصِ، أو الصيد في الماء العكر.


وقد كانتْ تقريراتُهم مثالا للاعتدال والوسطيَّة، إذ إنَّهم يقولون بما قاله الله ورسولُه والسلفُ الصالح، والله تعالى قد جعلَ هذا الدين وسطا قواما، فمن أخذ به فهو -تلقائيا- يأخذ بالوسطيَّة والاعتدال والإنصاف. قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161] وقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: من الآية 143]






ومن زاد على ما أمر الله به ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وركبَ رأيَه فقد غلا، كشأنِ الخوارج أشهر الفِرق المخالفة اشتمالا على العنف. حيث خرجوا على أهل العلمِ بجهلهم فكفَّروا بغيرِ موجِب، ثم استحلوا الدمَ فسفكوا من دماء المسلمين بل من دماء خيرةٍ من المؤمنين، وفعلوا الأفاعيل وجنوا على الأمَّة جناياتٍ عظيمة. حتى صحَّ لابن كثير رحمه الله –أو غيره من العلماء- أن يقول عنهم: هم من أغرب أشكال بني آدم. وصدق.






ولقد عرفَ علماؤنا جذورَ العنف في فكر دعاة التفجير وغلاة التكفير، فذكَّروا الناس بالأصول الشرعيَّة الواقية –بإذن الله- من هذا الشر، ومما ذكروا به:


-     العلم، فإنَّ الجهل هو أصل الداء.


-     أخذ الدين عن العلماء الموثوقين وترك المشبوهين –وإن تبحروا في الفنون- والمتعالمين -وإن زخرفوا ما يقولون-.


-     معرفة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التنطع، والخروج عن شرع الله تعالى بزيادة، وكان مما قاله منكرا على النفر الذين وقعوا في شيء من ذلك: «من رغب عن سنتي فليس مني».


-     معرفة الموقف الشرعي من الحكَّام، وأنَّ الخروجَ على الحاكم المسلم –وإن جار وظلم- من منهج الخوارج.


-     ضبط مسألة التكفير والحذر من التورط في تكفير الناس بلا علم وعدل.


-     تعظيم حرمة الدماء، وأنَّ سفك دم امرئ مسلم من العظائم المردية للسافك.


-     تحريم قتل الذمي والمُعاهَد، ومعرفة أحكامهما في الشريعة الإسلاميَّة، وإنَّ إهمال هذا الجانب من مميزات دعاة التفجير والتدمير.


-     ضبط العاطفة، وردّ مشكلات الأمور إلى الشريعة، لا إلى الأهواء وظلمات الآراء.






وإنَّ الجهل بهذه الأمور، أو اختلال الفهم في تفاصيلها ورَّط أقواما فهاجوا وماجوا بأقلامهم وألسنتهم تارات، وأسلحتهم مرَّات. فنتج عن ذلك من سفك الدماء المعصومة، وتسليط الكفار والمنافقين على المسلمين، والفرقة بين المؤمنين، وتشويه صورتهم عند الكافرين، والسخرية بعلماء السنة، والاغترار برؤوس البدعة، وتشكك بعض الناس من بعض ميادين الخير، وأهلِ الخير، ما يراه كل ذي عينين ويسمعه كل ذو أذنين، ولقد أعمى الله أبصارا، وأصمَّ آذانا عن الحق، وهذا جزاء من زاغ عن الحق {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.






هذا، وإنَّ لكلِّ عنوان من الشرِّ موردٌ ومصدر، فاحذر أن يصدُرَ عنك ما يدل على سوءٍ وردتَّ عليه.










ناصر بن عبد الله الخزيم


25 / 7 / 1432هـ.

إطلالة على بُحيْرة الدَّم: «فلسفة الجراح»

إطلالة على بُحيْرة الدَّم: «فلسفة الجراح»
كنتُ قد كتبتُ كلماتٍ على قصيدة الشاعر اليمني: عبد الله البردُّوني: «فلسفة الجراح» ونشرتُها في عدد من المنتديات، قبل بضع سنوات، بمعرّف (ناصر الكاتب)، لكنني لم أتمّ ما كتبتُ، واشتهت نفسي أن أكتبَ اليوم ما أُتِمّ به تلك الكلمات، فإليكموها تامَّةً بعُجَرِها وبجرِها:
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
ألمٌ يدفن آلامًا، وآمال تستوحش من مهجةٍ ألهبتْها جراحُ الروح، وفؤادٌ حائر لا يدري بأيِّ أولئك يشتغل وماذا يُعالج!
وزحمةٌ من الهموم تنسي صاحِبَها أسبابَ حزنِه؛ لكنَّها تكتمُ روحَه فلا يجد لريَاحِ الأملِ الطيِّبَةِ منفذًا! فيقفُ مع نفسه ويحاور عقلَه محاولاً علاج حيرتِه والوقوف على منشأ ألمه، فيقول:
 
متألِّمٌ، ممَّ أنا متألِّمُ؟  []  حارَ السؤالُ وأطرقَ المستفهِم
 
 
ولم ينفعْه الإطراق وإثارة الفكر، فعليه أن يستثير الحس الداخلي ويفتِّشَ في الشعور، فيقول:
 
ماذا أحِسُّ؟ وآهُ حُزْنِي بعضُهُ * يشكو فأعرفُهُ وبعضٌ مبْهَمُ
بي ما علمتُ من الأسى الدامي وبي * من حُرقَةِ الأعماقِ ما لا أعلمُ
 
 
... وكيف يعلم عن تفاصيل جَمْرِ أعماقِهِ، وعقلُه مغطًّى بأدخنة مختلفة من الحيرة والقلق؟ بل إنَّ جراحَه الملتهبة وأحزانه المتراكمة وأوهامَه الكثيرة اجتمعن فأعمين بصيرتَه –كما عَمِي بصرُه- وترَكْنَه ضعيفَ الحيلة أمام روحِه التي صارت وقودًا لنيران جراحه الغائرة في أعماقه! وليس إلى إنقاذها سبيل –ولو في نظره- وليس له منها مهرب!
 
وكأنَّ روحي شُعلةٌ مجنونَةٌ  []  تطغى فتضرِمني بما تتضرَّمُ
 
يا ويحَ نفسِه! لقد ذاق هذا الشاعرُ البئيس من الفقرِ والحرمان والإعاقة ما أفقر قلبَه من السعادة، وضمَّ إلى كل أولئك ضلال فكر لا بدَّ أنَّه قد حرم روحَه من موردٍ لا ينهل منه غيرُ أهل الإيمان واليقين.
 
ولقد دلَّتْنا الأبياتُ السابقة على أنَّ ذلك الجريح على وشك الاحتراق! إذ ليس بعد الحريق إلا الاحتراق! ولكن ماذا بعد هذا الاحتراق؟!
 
[] [] []
 
بعد احتراق القلب!
 
في «بحيرة الدَّم» نيران من أسى وحرمان وآلام أودَتْ بالقلب المضطرب فيها!
 
فسعى الشاعر المفجوع وحيدًا في جنازة قلبه الهالك:
 
 
وكأنَّ قلبي في الضلوع جنازةٌ  []  أمشي بها وحدي وكلِّي مأتم
 
لا جرَم أن «الوحدة» وحدها كافية لتمزيق قلبه وتضييق الأرض عليه!
 
لكنَّه لم يكن وحده كما يقول؛ بل شاركه حشدٌ في تشييع جنازته والعويل –جزعا- على فقيده!
لقد دارت به الدوائر حتى أحس بمن يشاركه في مأتمِه...!
إنها مصائبه وجراحه الأليمة تكاثرت عليه، فكان صراخُ كلٍّ منها: مصيبةً وحدَه!
 
أبكي فتبتسمُ الجراحُ من البكا []  فكأنَّها في كلِّ جارحةٍ فَمُ
 
 
فصار يمشي بين الضجيج الذي أشغلَه عن نفسِه، بل أغفله عن درب الموت السريع!
ولا تعجب! فهو القائل:
 
تمتصُّني أمواجُ هذا الليلِ في شَرَهٍ صَمُوتْ
وتُعيدُ ما بدَأتْ.. وتنوي أن تفوتَ ولا تفوتْ
فتُثِيرُ أوجاعي وتُرْغمني على وجعِ السُّكوتْ
وتقولُ لي: مُتْ أيها الذاوي...فأنسى أن أموتْ!
 
ثم لا تنسى نعمةَ الله عليك أن وقاك مما ابتلاه، فالحمد لله على نعمه الوافرة!
 
وإن مرَّ في قلبك طائف حزن أو عاصف حيرة، فأنشِد –إن كنت منشِدًا- مثلَ هذا:
 
أنا يا ربِّ! حائرُ الخطوِ عانٍ  []  أتراءى لديك خيرَ مصيرِ
ربِّ! فاملأ بنورِ حُبِّك قلبي  []  أرتشفْ كوثرَ الصفاءِ النضيرِ!
 
[] [] []
 
إنَّ مشاركة جراح الجوارح، ببسماتِها، لدموع الشاعر الباكي: يوقفُك على منظرٍ مثير! 
ترى عيونا يسيل منها الدمع، وتحت العيونِ جروحا مفتوحة، وتمتزج -هنا- الدموع بالدماء، لتسيل إلى جراحٍ أخرى أسفَلَ منها... أنتَ الآن لستَ تقابلُ نفسًا مجروحة، بل أنت أمام شبكة من الجراح!
 
يا لابتسامِ الجرح، كمْ أبكي، وكمْ  []  ينسَابُ فوقَ شفاهِهِ الحمرا دمُ
 
وإنْ تطلَّع بصرُك إلى منتهى تلك الشبكة الأليمة، فسيجبُك الشاعرُ الباكي، بقوله:
 
أبداً أسيرُ على الجِرَاحِ وأنتهي  []  حيثُ ابتدأتُ فأينَ مني المختمُ
 
لكنَّ هذا الجريح لا يركن إلى البكاء، ويضمُر في القنوط، بل يسير معارِكا، يطلبُ الأملَ، وإن وطئ جرحَه في كلِّ خطوة:
 
وأُعارِكُ الدنيا، وأهوى صفوَها  []  لكن كما يهوى الكلامَ الأبكمُ
وأبارِكُ الأمَّ الحياةَ لأنَّهـا  [] أمِّي، وحظّي جناها العلقمُ
 
وهو مع ثُقلِ ممشاه، وشدة آلامه، ثم طموحه يصطدم بجدران اليأس مرات بعد أخرى. ومع ذلك سيصبر، وتراه كما يقول الجواهري في مقصوتِه الشهيرة:
 
وتطوي الضلوعَ على نافذٍ  []  من الصَّبرِ يُدمي كحزِّ المُدى  
 
ولن يرضَ بالاستسلام، وإنْ اكتفى بجعلِ مأساتِه المرَّة شيئا آخر له طعمٌ حلو.
 
حرمانيَ الحرمانُ إلا أنَّني  []  أهْذي بعاطِفةِ الحياةِ وأحلُمُ
والمرءُ وإن أشقاه واقعُ شؤمِهِ  []  بالغبْنِ، أسعدَهُ الخيالُ المُنعِمُ
 
سيَنعم بمأساتِه، إن لم ينعَم بالخلاص منها!
 
وحدي أعيشُ على الهمومِ، ووحدتي  []  باليأسِ مفعمَةٌ، وجوِّي مُفْعَمُ
 
وهو وإن اضطرم وحده في بركة آلامه الحمراء، فلن ينعَم بطعمِها الآخر وحدَه؛ بل سيشرِكُنا معه:
لكنَّني أهوى الهمومَ لأنَّها  []  فِكَرٌ أفسِّـرُ صمتَها وأترجِمُ
أهوى الحياةَ بخيرِها وبشرِّها  []  وأحبُّ أبناءَ الحياةِ وأرحَمُ
وأصوغُ «فلسفَة الجِراحِ» نشائِداً  []  يشدو بها اللاهي ويُشجى المُؤْلَم !
 
أظنُّ أنك أخي القارئ ترى شبكةَ الجراحِ الآن بعينٍ غير التي كنتَ ترى بها قبل عشرة أبياتٍ !
 
ناصر بن عبد الله الخزيم