الاثنين، ديسمبر 16، 2019

ذكرى الراحلين


للرّاحلينَ من الرّحيلِ قصيدةٌ
هطّالَةُ الأبياتِ مِنْ أحداقي

غابوا وما ملأَتْ عيوني منهمُ
ما يطفئُ النِّيرانَ في أعماقي

عادوا طيوفًا لا يكافِئُ صمْتَهم
صمتي، ولا أوصافَهمْ أَوْرَاقي

نطقَتْ ملامِحُهم بلومٍ مُؤلِمٍ
وأنَا معَ العُتبَى لهمْ بِوثَاقِ

يا ليتَهمْ لمّا بدَتْ أشباحُهم
سَمعوا نشيجَ  مُبَرَّحٍ مُشتاقِ

يا ليتني أوعَيْتُ قبلَ رحيلِهمْ
زادَ الجوانِحِ مِنْ شجًى وعِناقِ
ناصر الخزيم
19 / 4 / 1441


تشجّع


تشَجّعْ، وقل: إني أريدُ رضاءَكِ
وأمحو جفائي، صادِقًا، وجفاءَكِ

وإني، وإن أبعدتُ عنكِ مغاضبًا
لقد هِمتُ صديَانًا بتركيَ ماءَكِ

وقد رمتُ يهماءً يموجُ بها الدجى
وما كنتُ ذا رأيٍ بهجري ضياءَكِ

أنا مخطئٌ، يا أجملَ الذكرياتِ، هل
لنا أن تُعيدَ الأمسياتُ رُواءَكِ؟

ناصر الخزيم
15 / 4 / 1441

الخميس، ديسمبر 12، 2019

غُــول




وَلَجتُ إلى أصداءَ يبكي لها الفِكرُ
يموجُ بها بحرٌ، وموضِعُها قَفْرُ!

يوافي بها الظمآنُ قبلَ هلاكِهِ
جديبًا ضنينَ الخيرِ يسكنُه الذُّعْرُ

ويخطُرُ فيهِ السرُّ يطلبُ هاديًا
يفُكٌّ أحاجيه فينخذل السرُّ

مُفَزَّعَةً رُؤيايَ لم تلقَ خاطِرًا
يلمُّ شعابَ القلبِ إنْ نَطَقَ الصّخْرُ

فبعضي يرى بعضي يفُتُّ نِظامَهُ
تَقاذُفُ أوهامٍ عن «الغُولِ» تفترُّ

فسَقيًا لأوهامٍ أكَذِّبُ جُلَّها
وتَعْسًا لأخبارٍ يُصدّقُها الخُبْرُ!

سأثبُتُ لا مَعْنًى لمُكْثِيَ حائِرًا
أمامَ نيوبِ الغولِ يرمُقُني المَكْرُ

سؤاليْ له: «مَنْ أنتَ؟» -بعدَ ترَدّدٍ-
أجيبَ بعينٍ طافَ في لونِها الوِزْرُ

فكدتُ أعيدُ القولَ لولا تذكُّري
كوامنَ أبداها لي النَّظرُ الشزرُ

رأيتُ مكانَ الغولِ نُجْعَةَ طالبٍ
يروقُ له جحرٌ ويزعِجُهُ الفَجرُ

ويستافُ ريحَ البخْرِ حتى كأنَّهُ
يشمُّ بظِلِّ الدّوْحِ ما ضوَّعَ الزهرُ

ويبصِرُ أشياءً وينكرُ وصفَها
ويُطلق أسماءً فيختلِط الأمرُ

وإنْ شاهَدَ الأبطالَ صارَ بوهمِهِ
شُجاعا ومقدامًا فيملؤه الفخرُ!

يبيعُ بلا رِبْحٍ، ويشربُ مُسرِفًا
وحظّ سجاياهُ الخسارةُ والسُّكْرُ

وأولعه بالوحشِ ظلمَةُ قلبِهِ
وطَيْشُ أمانيهِ ومسلكُه الوعرُ

كبيرٌ عليه أن تقولَ له: استَقِمْ
يهونُ عليه أن يقول: الهدى شَرُّ

بغيضٌ إليه أن يراكَ مُرتّلا
حبيبٌ إليه الزّمرُ والرقصُ والعُهْرُ

ويرقمُ في ماءٍ فيأتي مجادلا
بسودِ عماياتٍ، وأنيابُه صُفْرُ

ويسرع في تصديق ما قال كاشِحٌ
ويهتف بالتكذيب إن طلَعُ الفَجْرُ!

يروبُ إذا ما شابَ شيئًا كأنَّما
حرامٌ عليه العدلُ والنُّصْحُ والبِرُّ!

فيا بُؤسَ محرومٍ من الصدقِ والهُدى
ويا بؤسَ مجنونٍ بما أَسَّسَ الكُفْرُ!

ويا حبذا عيشُ العجوزِ إذا دعَى الــ
مُؤَذّنُ دوّى في جوانِحِها الذّكرُ!

تعيشُ على طُهْرٍ، وتعبدُ ربّها
براسِخِ إيمانٍ وهذا هوَ العُمْرُ!


ناصر الخزيّم
15 / 4 / 1441









الاثنين، نوفمبر 25، 2019

دعْ لي القول


أَحْمِلُ العِبْءَ ثمَّ تُثقْلُ عِبئي
بعَنيفِ الملامِ، ضِقتُ فدعْنِي!

لو غمَسْتَ الجوى صحيحًا بقلبي
لوَجَدْتَ السّقَامَ فيكَ يُغنّي

وملأتَ الحديثَ شكوًى ودَمْعًا
وظننتَ الحُنُوَّ لومًا بعيني

سافِرِ الآنَ في الشعُورِ فقلْ لي:
أيَّ حُكمٍ تراهُ يلحقُ حُزني؟!

لا تُلمْني –وإنْ قسوتُ- فإنّي
مُوجَعٌ قَدْ أذيقَ مُرَّ التجَنّي

صاحبي، لا أراكَ تظلِمُ لكنْ
داوِ قلبي بنضحَةٍ لا بِطعنِ

صاحي، لستُ من الحديد بشيء
غيرَ أنِّي مُقَيّدٌ طَيَّ سِجْنِ

كلّما جُلْتُ في سطورِ كِتابٍ
جالَ في القلبِ صارِخٌ لا يُكنّي!

إنَّما العقلُ يا صديقي شديدٌ
يحشرُ العاقلَ البصيرَ برُكنِ

ناولِ القولَ كأسَ صَمْتٍ وفِكرٍ
كي ترى طَارِفَ الكلامِ بغُصْنِي

واحسِبِ الرأيَ لا تدعْه لجوجًا
يهدِمُ اليومَ كلَّ ما كُنتَ تبني

إنني يا رفيقَ دربي بغيضٌ
كُلّما خِلتُ هائِجًا حولَ حِصْني

أكرهُ الطائِشَ العجولَ، وإنّي
لا أرى صاحبي سيخلِفُ ظنّي

دعْ ليَ القولَ ساعَةً إنَّ شيئا
سرَقَ النوم حينَ لاحَ لعيني

ولَغَ الغدرُ، يا صديقي، بماءٍ
كانَ يسقي الكرامَ من دون مَنِّ

وأذاقَ العُروقَ وحْلا فصارت
لا تُنيلُ الترابَ غرسًا لتَجني!

صاحِبي، كلّنا نرى يا بِسَ العَذْ
قِ، فدعنَا نكنْ لهُ خيرَ مُزنِ

ناصر الخزيّم
28/ 3 / 1441






الخميس، نوفمبر 14، 2019

نفَق الهوى



إلى نفَقِ الهوى سِرنَا فغِبْنَا
وفي غفلاتِه عِشْنا وشِبْنَا

وما تحت التلهّي غير كوبٍ
شربنا منه نُقصانًا وغَبْنَا

وأترعنا كُؤوسَ اللهْوِ حتى
إذا سُكِبَتْ أرانَا قد سُكِبْنَا

خلطنا النفسَ بالأدنَى فكانت
شتيتًا ضائِعًا فيما خلطنا

وكانَ العُمرُ مُمْتدّا بياضًا
فأغْرَى بالمِدادِ، وقد كتَبْنَا!

كَتبْنا والِهِينَ بِكُلّ خَطٍّ
وهاجَتْ صَبْوَةٌ فينا فَزِدْنَا

رَسَمْنَا البدْرَ في كأسٍ فمَسّتْ
زُجَاجَتَهُ أيادِينَا فَغَنّى

وزخْرَفْنَا بِسَاطَ الريحِ ليلًا
فأطلقْنَا الخيالَ له، وطرْنَا

وسَطَّرْنَا خطوطًا لاذِعَاتٍ
وأخرَى لو قرأْنَاها خَجِلْنَا

وزاحَمَ طَيّبَ المنقوشِ شَينٌ
علَا ما نافَ عن أرضٍ فأدْنَى

وشِئْنَا أنْ نعودَ إلى بيَاضٍ
وهيهَاتَ الإعادَةُ لو أردْنَا!

ومَنّيْنَا الفؤادَ بكلِّ مَجْدٍ
فأنْزَلَنَا الفؤادُ بِكلّ مَغْنى

حديثًا بائِدًا نُحْيِي ونُبدي
ويذبُلُ حينَ يلقى منكَ أُذْنَا

ملأنَا سمْعَ مَوطِننا افتخارًا
فلمّا احتاجَ مفخرةً جَبُنَّا!

وكنّا حين كانَ النصرُ نهبًا
نيامًا، ثُم صُغْنا اليومَ "كُنّا"!

وصحنا في الطّبَاعِ إلى المعالي
فدَانَتْنَا بما اعتدْنَا ودِنّا !

ولكنَّ التَدبُّرَ روحُ قلبٍ
يَدِبُّ فيجعلُ الأنوارَ حِصْنَا

فيا رحمٰنُ أنقذنَا فإنَّا
عَرفْنَا جَهْلَنَا وإليكَ تُبْنَا!

ناصر بن عبدالله الخزيّم
17 / 3 / 1441



الأحد، أبريل 21، 2019

نبضاتٌ نائية

أيَا بدرالسماء إليكَ نجوى

وما تغني، ولكنْ فيك سلوى

فإنّي إنْ نأيتُ رجاءَ عِزٍّ

أجدْ وَهَني لمن فارقتُ أقوى!

أجدْ دَعةً، ولكن دونَ طعمٍ

أجِدْ شِعْرًا، ولكنْ دونَ فحوى

أجِدْ خِلّي، ولكن في طيوفٍ

أجِدْ نفسي، ولكن دون مأوى!

وإنّي قدهويتُ وإنّ عقلي

ليَدركُ أن نهرالودّ أروى

وإنّي في ضجيجِ الناس لاهٍ

بصوتِ أحبةٍ في الصدرِ دوّى

وإني قد فطنتُ لكونِ بُعدي

إزاءَ القربِ واللأواءِ بلوى

نعمْ، أجفو وأُجفى في دياري

ولكنّي بجرح البُعْدِ أُكوى

فدع لي أيها "الكِنْديّ"  قولًا

أرى حركاتِه في النفسِ نَشْوَى

فإنّ سفينتي شاءتْ فماجت

بها الأمواج لم تسكنْ لمثوى

فلا العبرات مِن عينَيَّ تكفي

وما الصفحات تحت يدِيْ لتطوى

وياليتَ الملامَ يمسّ سمعي

لأعلَمَ أنّني أسمعتُ شكوى!

وياليتَ الغيابَ يميتُ بُغضًا


ليلقى موكِبُ النبضَاتِ شروى

وتُعتبَ سالفَ الأنّاتِ لُقيًا

وتصفحَ عن عمَى الكلماتِ نجوى

ويُخمدَ حيرةً -تَسقي وتُسْقى-

يقينُ الحُبّ ممن كنتُ أهوى

ناصرالخزيم 
١٦٨١٤٤٠