الأحد، مايو 20، 2012

موارد العنف !



بسم الله الرحمن الرحيم






أشارَ عليَّ قريب ذو قدر كبير عندي، بأنْ أنشرَ شيئا في أمرِ البلاي ستيشن وما ينشأ عنه من أضرار. ثم أتبَعَ حديثَه بكليمة عن لغة العنف في الإعلام والسياسة... وأحبُّ أن أقف مع العنف الصادر عن الألعاب الالكترونية والأفلام وما إليهما، والعنفِ في لغة السياسة، وقفةً عابرة لا دراسة تأصيلية فاحصة. –إذ لستُ من الخبراء في شأن تلك الألعاب وما كُتِبَ فيها- حاذفا من حديثي العنف في الأسلوب الذي يصدر من الجاف في تعاملِه مع الناس، فأقول:






 إنَّ من طبائع العنف: استسهال الدمار في سبيل تلبية الحاجات النفسيَّة. ومن سماتْ العنيف: قِصَر نظَرِه إلى مآلات الأشياء التي يُقْدِم عليها.






هكذا هو بالون العنف سواء نفخَتْه أفلامُ وألعابٌ إلكترونية، أو نفخَتْه الأفكار!.






تقومُ بعض الأفلام والألعاب على تزيين العنف في نفوس المتلقِّين الصغار وذلك بعرِض أسلحة متنوعة في أيدي أشكالٍ من بني آدم غريبة يستعملون تلك الأدوات بحركاتٍ مثيرة جاذبة، وبتسلسل سينمائي محبوك.


وقد تتردد الصور التالية في هذا المنتَج:


-     يظهر الدم حين يسيل من فم البطل أو أنفه ثم يمسحه بظاهر كفِّه.


-     البطل يهوي من مكان شاهقٍ، فارا من رجال الشرطة.


-     البطل يحطِم زجاج دكانٍ أو بيت أو سيارة بيده.


-     يفقد بعض أفراد العصابة ولا يزيده ذلك إلا إصرارا.


-     تجتمع عليه الدنيا فلا يستسلم!


-     ولا يُغلَب !


-     يجهِّز بعض مهماتِه الخطيرة جدا في حال دقات ساعة القنبلة، التي ستدمر كلَّ ماحولها.


-     يفرِّ من مكان الانفجار بمهارة فائقة!


-     يُطعن أو يرْمى بالرصاص، فيغطي جرحَه، أو ينزع الرصاصة! ويُتمّ معركَتَه.


-     يصحَبُ تلك الأحداث ما يناسِبُها من الموسيقى.


-     ويكون الحبُّ حدثا مهما، وتكون الحسناءُ عنصرا حاضرا بقوة.






النتيجة: هيجة نفس المتلقي + يتخيَّل ما لا يُعقَل أن يكون ممكنَ الحصول، وقد يضيف عليه من خياله ما هو أغرب + ترخُص في نفسِه القيم التي رآه رخيصة عند البطل الباهر! + جرعات أخرى من الأفلام –أو الألعاب- المشابهة= سلوك العنف !






هذه المعادلة تجِد جوابَها في العديد من أخبار الجريمة.






هذا المورِد يُغفِلُه بعضُ المتحدثين في شأنِ العنفِ والإرهاب، ويجعلون (أحاديَّة الرأي) و(التدين) من أهم أسباب العنفِ، ويمارسون لذلك ضغوطًا سياسية وإعلاميَّة ولغوية (=اصطلاحيَّة)... ونطق بعضُهم بالمضحكاتِ في هذا الشأن. ولا عجب. إذ كلٌّ يُنفِقُ مما عندَه.






وإنَّ استلامَ هؤلاء لكبريات المنابر الإعلاميَّة يجعلُ حِمْلَ وقاية أبنائنا من مشكلات العنف السلوكي الذي يجدونه في تلك الأفلام والألعاب: ثقيلا. هذا هو المُفتَرض لمكانِهم من الإعلام، ولتنديدهم بالعنف -وبعنف!-.






وأهلُ السنَّة –بحق- لم يهملوا الجانبين، بل هم كثيروا الدعوة للناس إلى ترك تلك الأفلام والألعاب التي تلعبُ في عقولهم وتفري في أخلاقهم.


وحاربوا العنف الفكري، ودرسوا أسبابَه، ولم يجنحوا فيما كتبوه وقرروه إلى التخرُّصِ، أو الصيد في الماء العكر.


وقد كانتْ تقريراتُهم مثالا للاعتدال والوسطيَّة، إذ إنَّهم يقولون بما قاله الله ورسولُه والسلفُ الصالح، والله تعالى قد جعلَ هذا الدين وسطا قواما، فمن أخذ به فهو -تلقائيا- يأخذ بالوسطيَّة والاعتدال والإنصاف. قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161] وقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: من الآية 143]






ومن زاد على ما أمر الله به ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وركبَ رأيَه فقد غلا، كشأنِ الخوارج أشهر الفِرق المخالفة اشتمالا على العنف. حيث خرجوا على أهل العلمِ بجهلهم فكفَّروا بغيرِ موجِب، ثم استحلوا الدمَ فسفكوا من دماء المسلمين بل من دماء خيرةٍ من المؤمنين، وفعلوا الأفاعيل وجنوا على الأمَّة جناياتٍ عظيمة. حتى صحَّ لابن كثير رحمه الله –أو غيره من العلماء- أن يقول عنهم: هم من أغرب أشكال بني آدم. وصدق.






ولقد عرفَ علماؤنا جذورَ العنف في فكر دعاة التفجير وغلاة التكفير، فذكَّروا الناس بالأصول الشرعيَّة الواقية –بإذن الله- من هذا الشر، ومما ذكروا به:


-     العلم، فإنَّ الجهل هو أصل الداء.


-     أخذ الدين عن العلماء الموثوقين وترك المشبوهين –وإن تبحروا في الفنون- والمتعالمين -وإن زخرفوا ما يقولون-.


-     معرفة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التنطع، والخروج عن شرع الله تعالى بزيادة، وكان مما قاله منكرا على النفر الذين وقعوا في شيء من ذلك: «من رغب عن سنتي فليس مني».


-     معرفة الموقف الشرعي من الحكَّام، وأنَّ الخروجَ على الحاكم المسلم –وإن جار وظلم- من منهج الخوارج.


-     ضبط مسألة التكفير والحذر من التورط في تكفير الناس بلا علم وعدل.


-     تعظيم حرمة الدماء، وأنَّ سفك دم امرئ مسلم من العظائم المردية للسافك.


-     تحريم قتل الذمي والمُعاهَد، ومعرفة أحكامهما في الشريعة الإسلاميَّة، وإنَّ إهمال هذا الجانب من مميزات دعاة التفجير والتدمير.


-     ضبط العاطفة، وردّ مشكلات الأمور إلى الشريعة، لا إلى الأهواء وظلمات الآراء.






وإنَّ الجهل بهذه الأمور، أو اختلال الفهم في تفاصيلها ورَّط أقواما فهاجوا وماجوا بأقلامهم وألسنتهم تارات، وأسلحتهم مرَّات. فنتج عن ذلك من سفك الدماء المعصومة، وتسليط الكفار والمنافقين على المسلمين، والفرقة بين المؤمنين، وتشويه صورتهم عند الكافرين، والسخرية بعلماء السنة، والاغترار برؤوس البدعة، وتشكك بعض الناس من بعض ميادين الخير، وأهلِ الخير، ما يراه كل ذي عينين ويسمعه كل ذو أذنين، ولقد أعمى الله أبصارا، وأصمَّ آذانا عن الحق، وهذا جزاء من زاغ عن الحق {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.






هذا، وإنَّ لكلِّ عنوان من الشرِّ موردٌ ومصدر، فاحذر أن يصدُرَ عنك ما يدل على سوءٍ وردتَّ عليه.










ناصر بن عبد الله الخزيم


25 / 7 / 1432هـ.

ليست هناك تعليقات: