الأربعاء، مارس 13، 2013

وكانَ الإنسانُ عَجُولا !


بسم الله الرحمن الرحيم


قال الراغب الأصفهاني: «العجَلَةُ: طلبُ الشيءِ وتحرِّيه قبلَ أوانِهِ، وهو مِنْ مقتضى الشَّهوة، فلذلك صارتْ مذمومةً في عامَّة القرآن حتى قيل: «العجَلةُ مِنَ الشَّيطان» . [«مفردات ألفاظ القرآن» تحقيق صفوان داوودي، ص: 584] اهـ.


وطلبُ الشيء قبل أوانِه مذمومٌ في الشرع والعقل، ولقد قيل «من طلبَ الشيء قبل أوانه عوقِبَ بحرمانه».


والنفس تعالج أمورًا تطلب من ورائها مجدًا أو صلاح حال أو اكتساب خير، فتغلبها العجلة التي قد تحملها على قَطْع العلاج لإدراك المطلوب، فتُحرَم النفس من درَك المطلوب لانقطاع الطريق إليه.

ومع الصبر والأناة يكون الظفر والسلامة.

ولو نظرنَا في أنفسنا وأحوال مجتمعنا لوجدنَا للعجلة المذمومةِ عُثُوًّا فتح لليأس أبوابًا كانت خالية من جنود الصبر، ومدَّ طريقَ المجد بعقباتٍ من الخوَر. 


لستُ بريئًا من هذا الذي أذمه؛ لكنني أشكو، وأدعو، وأستحث...

أشكو حالا شملتني وغيري.
وأدعو نفسي وغيري إلى الاعتبار بما مضى، والانزجار عن ما أدركنَا حقيقةَ السوء الذي فيه.
وأستحث النفسَ التي تعلم سبيل الحق أن تصبرَ عليه، ولا تعجَل! 

إنَّ الكاتب الذي ينصرف عن ما تتغذى منه ملكَتُه وتتسع به ثقافتُه، لِيَخوضَ في ميدانٍ ليس له، فيزعج المتذوقين بركيك قولِه وسقيم معانيه، ويتعطَّلُ عن الدرس الذي ينبغي لمن يطلبُ هذا الشأن.. فينكشف له مع الأيام أنه قد تعب بلا تحصيل، ليصحبَ اليأسَ من مبتغى نفسِه! إنَّ هذا الكاتب مَثَلٌ من أمثلةِ ضحايا العجَلةِ.


والطالبُ لصلاح حال الأمَّة أحوج للصبر والأناة؛ إذ إنَّ مغبَّةَ عجلتِه –إن تعجَّل- عائدةٌ على أمَّتِه لا عليه هو فقط. والفساد الذي يجرُّه التعجُّل لا يمسّ أمورَ الدنيا فقط بل يصل إلى أمور الدين.

فمن أهل الغيرَة من تطغى عاطفتُه على عقلِه، فيخرج عن سبيل الإصلاح المشروع، فيقع –نتيجةَ ذلك- ما نراه ظاهرًا في واقعنا المعاصر، من سلوك لسبيل الخوارج، ووقوع في فساد عريض –باسم الإصلاح- ليكون ضربًا من ضروب الجهل والفساد، يدعو أهل العلم والصلاح -بحق- إلى إصلاحه!.

هكذا بدافعِ الحب ننأى عن محبوباتنا ونلقي بأنفسنا في مكان سحيق!.




ناصر بن عبد الله الخزيم

ليلة الأربعاء 27 / 5 / 1428هـ.

الاثنين، مارس 11، 2013

... لقلْتُ لأيامٍ مضين ألا ارجعي


بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 -

حدثني أخ كريم عن صحبٍ له دعوه يوما إلى ضرْبٍ من الألعاب فردَّ عليهم بأنْ قال: عندي شيء الاشتغال به أولى. لعلَّ صاحبي أراد برده التنبيهَ على أنَّ حياة اللعبِ تسرق من حياة الجدِّ، وإن غلبَت الأولى الثانيةَ فنِيَ العمر عند حدِّ غير رفيع، وخابت «الحياة» في سوق العمل وميدان التنافس...
ثم أخذتُ وإياه في حديث يسير عن عمارة الوقت بما ينفع، وأحب أن أفيض أكثر في هذا الموضوع معكَ أخي القارئ الكريم، وليس يغيب عن ذهنك الآن - فيما أحسب- حديثٌ شريف رواه الإمام البخاري رحمه الله [في صحيحه: (6412)] عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحَّة، والفراغ». وتدرك حجمَ المأساة التي تلحق بمن تتيسر له فرصٌ عظيمة فيتركها تفوتُ بلا اكتراث!.
ومن ذلك صنيع الصحيح الفارغ حين يشتغل بما لا ينفع -وقد لا يُمتِع- وحجته في ذلك: «ليس لدي شغل.. ماذا أعمل؟».
قال البردُّوني:
كم مرَّ وقتٌ؟ تولَّتْ ساعةٌ وتلَتْ [] أخرى، وماذا يلي، قد تنقضي أُخَرُ؟!
[ديوانه: 2/ 1671]
فالساعات تمرُّ وهذا حائر لا يدري ما يفعل! وكيف يقضي وقتَه؟!



قال بعض العلماء: «إذا اجتمع الصحة والفراغ وقصّر -يعني: الإنسان- في نيلِ الفضائل فذلك الغبنُ كلّ الغبن؛ لأنَّ الدنيا سوق الأرباح ومزرعة الآخرة» [عون الباري لحلِّ أدلة البخاري، للقنوجي: (5/ 660، 661)] ونقل القنوجي [في المصدر السابق: 5/ 661] عن ابن الجوزي قولَه: «قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا، لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون»اهـ.


وكم -والله- قد غُبِنَّا لانشغالنا بما هو أدنى، وفاتت علينا فُرَصٌ لتسويف غلب على أنفسنا؟!


إنَّ في هذه الحياة مشاريع مهمة لا بدَّ من خوضها -مستعينين بالله- طالبين منه الظفر:
فالجاهل مفتقر إلى أن يرفع عن نفسه الجهل، ويلحق بركب العالِمين. وللعلم فنون وللناس طاقات متنوعة وقدرات مختلفة، يستفيد كل صنف منهم ويفيد بما يتيسر له من تلك الفنون المتفاوتة في أهميتها، وحاجة الناس إليها.
والنفس تحف بها بعض البلايا، نحتاج لحسن سياستها كي تتخلص من رديء الخصال ودنيء الطِّباع (من كِبرٍ أو حسَدٍ أو ضعفِ عزيمة أو إقبال على الخطايا أو انصراف عن الحسنات)، وتنتقلَ إلى مرتبة عليَّةٍ تأنَفُ من الدنايا وتتعلق بمعالي الأمور. 
والعبدُ المسلم مفتقرٌ إلى ما يقرِّبه إلى مرضاة الله تعالى، ويقصيه عن ما يسخط اللهَ تعالى.
- وإصلاح أمور المعاش: مطلب في الدنيا، يحتاج الواحد منا إلى أن يطلب من فضل الله ليستغني به عن الحاجة إلى الناس؛ فيشتغل في تجارة أو وظيفة أو يعد نفسَه لأحدهما، أو يقوم بمصالح الناس الدنيوية، من طبِّ أو إدارة أعمال... أو أي ضرب من السعي الصالح في هذه الدنيا. قال ابن حزم -رحمه الله-: سمعتُ شيخنا ابن الحسن يقول لي ولغيري: «إنّ من العجب من يبقى في هذا العالم دون معاونة لنوعه على مصلحة. أمَا يرى الحرّاث يحرث له والطحّان يطحن له والنسّاج ينسج له والخياط يخيط له والجزار يجزر له والبنّاء يبني له وسائرَ الناس كلٌّ متوَلًّ شغلاً، له فيه مصلحة وبه إليه ضرورة؟ أفما يستحي أن يكون عيالاً على كل العالم لا يعين هو أيضاً بشيء من المصلحة؟»اهـ.
قال ابنُ حزم: من السمج القبيح بقاء الإنسان فارغاً في مدة إقامته في هذه الدار، مفنيا تلك المدة فيما غيره أولى به وأحسن منه، في حماقة وبطالة أو معصية وظلم. اهـ.[رسالة مراتب العلوم لابن حزم الأندلسي].


فليس للفارغ حجة! وليس العمر يتسع للإسراف في اللهو!.


(وهذه كلمة أرجو أن تتبعها كلماتٌ ذاتُ صلةٍ بهذا الموضوع ونفعٍ لمن يُطالعها إن شاء الله تعالى...)

ناصر بن عبد الله الخزيِّم

24 / 8 / 1431هــ


من امتيازات قناة سعد فقيه


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد امتاز د. سعد فقيه عن سبيل المؤمنين بأشياء كثيرة أذكرُ منها ما يلي:
1- أنَّه سمَّى ما يشهد العلماءُ والعقلاء على أنه من الإفساد: إصلاحا. وهذه من صفات المنافقين التي ذكرها الله تعالى في كتابِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11].2- أنَّه استخدم أبرز أسلحة البطالين وهو: الكذب. ومن القرائن على ذلك استقباله اتصالات الكذّابين كذبا له قرون (!) لينصروه على هواه، وإشاعة ما هبَّ ودبَّ من الأخبار التي تشحن قلوب الناس على حكومة المملكة العربية السعودية، وكفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلِّ ما سمِع.3- مشاقة الله تعالى القائل -جل ذكره-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء: 59] ولقد استدل العلماء بهذه الآية على وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله تعالى. وفسَّر بعضهم ولاة الأمر هنا بـ(الأمراء، والعلماء). وسعد فقيه لم يستجب إلى أمر الله للمؤمنين، فخرج على ولي الأمر المسلم واشتغل في حربه، وعلى العلماء فلم يأبه بهم أو يستنير بفهمهم. 4- مشاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. حيث يقول: «... تسمع وتطيع وإن جلد ظهرَك وأخذ مالك، فاسمه وأطع» [رواه مسلم] وسعد فقيه يدعو إلى نقيض ما أمر به نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه مشاقة ظاهرة، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115].5- خرج عن طاعة من أمرنا الله تعالى ورسولُه بطاعته، قال صلى الله عليه وسلم: «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فميتته ميتة جاهلية» [رواه مسلم] والقائم على قناة الإصلاح مفارق للجماعة؛ لخروجه، ولسلوكه سبيل غيرِ المؤمنين.6- شابَه أهلَ الجاهلية في رضاهم بالفوضى وأنفتِهم من طاعة الحكام. قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رسالته النيِّرَة (مسائل الجاهليَّة) –واصفا أحد مسالك الجاهليين-: «أنَّ مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذلّ ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلَّظ في ذلك وأبدى فيه وأعاد»اهـ.7- تسلُّطه على آخر معاقل الإسلام، فما من دولة اليوم تتخذ الشريعة دستورا لها في الحكم إلا دولة التوحيد: المملكة العربية السعودية، وهي تفتخر بذلك، قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: «بلادنا من أحسن البلاد الإسلامية وأقومها بشعائر الله على ما فيها من نقص وضعف»اهـ.وقال رحمه الله: «إن السعودية بحمد الله تحكم الشريعة في شعبها وتقيم الحدود الشرعية وقد أنشأت المحاكم الشرعية في سائر أنحاء المملكة وليست معصومة لا هي ولا غيرها من الدول»اهـ.
ومن نعم الله على بلدنا: حربهم لشركيات الخرافيين عباد الأضرحة والقباب.ووجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتكاد تنفرد عن الدول بتلك المزايا التي نسأل الله أن يعين قادتها على الحفاظ عليها وتقويتها وأن يزيدهم من فضله، وأن يعيننا على شكر ما أنعم به علينا.
8- مما امتاز به صاحب قناة الإصلاح سفهه. قال القاضي أبو الطيِّب: «... ومن دعا الناس إلى الباطل؛ كان سفيها فاسقا» [إغاثة اللعفان من مصايد الشيطان، لابن القيم: 1/ 420، ط1: دار ابن الجوزي].9- وامتاز بإشاعة الزور وركاكة الفكر وسلاطة اللسان. أما الزور والسلاطة فظاهران، أما ركاكة الفكر: فلأنه يُعرِض عن تأصيل أطروحاته بالطريقة الشرعية والحقائق العقلية، إلى أساليبَ غوغائية، وحكايات سامجة. 10- سلوكه مسلك الخوارج القعدية. الذين يخرجون باللسان دون السلاح.11- استهانتُه بنعمة الله تعالى على هذه البلاد. قال أحد الأفاضل: «على الرُّغم من أنني من أهلِ المغرب، وعلى الرُّغم من ذاك الإرهاب التاريخي السياسي العقدي (يعني: ما حصل من مشاحنات بين المغاربة والمشارقة)، فإنَّني أقولُ غيرَ مُبالٍ بغيرِ الحق: لقد شهد القريبُ والبعيدُ والصديق والعدو ما حقَّقَه التوحيدُ والحكم بالشريعة مِنْ أَمنٍ في البلاد السعودية، إلا أنَّ الحاقدين على هذه الدولة، وعلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- يأبَوْن ذلك، وبدلا من أن تحظى منهم هذه الدولة بالتشجيع؛ لأنَّها تعلِن بأنَّ شريعتَها هي شريعة الإسلام، فإنَّهم دأبوا على تشجيع كلِّ من يعمل على إسقاطِها، وأيُّما خبر يُسمع صدَّقوه ولو لم تقُم عليه أدنى البيِّنات! لا سيَّما وهم لا يفترون عن التباكي على ضياع الخلافة الإسلاميَّة، فإذا هم لا يرون الحسناتِ إلا سيِّئَات!!»اهـ.
هذا، وللرجل امتيازات أخَر مع ما ذكرتُه هنا، جعلتْ منه أضحوكة عند العقلاء، ورأسا عند الحمقى، وبوقا يفرح به الأعداء.
اللهم أتمم علينا نعمتك، واجمع كلمتنا على الحق، وارفع راية التوحيد والسنة في بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين.

ناصر بن عبد الله الخزيم
ليلة الأربعاء: 11 / 4 / 1432هـ

الأحد، مارس 10، 2013

الحَدَثُ، وتحليلاتُه

بسم الله الرحمن الرحيم

في السنوات الأخيرة أُصبنا بكثير من الأحداث التي كان لها أثرٌ كبير في إشعال نيران الفتن، وشيوع الكثير من الأخبار الكاذبة؛ فكلما سمعنا عن وقوع حادثة من الحوادث تتابع على مسامعنا عدد من الروايات لذلك الحدث، والتحليلات لتلك الواقعة.

ومعلومٌ ما (للحدَثِ) من أثرٍ في العقولِ والمواقف.

وعليه؛ فلا بدّ من أن نتبيّنَ (الموقفَ الصحيحَ) تجاه الوقائع. كي تسلَمَ عقولُنا من التخليط، وألسنتُنا من الزلل، واجتِماعُنا من التفرّق.

قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:83].

قال الشوكاني –رحمه الله- في تفسيره: «وهؤلاء جماعةٌ من ضَعَفَةِ المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئاً من أمر المسلمين فيه أمنٌ نحو: ظفرِ المسلمين وقتل عدوهم، أو فيه خوفٌ نحو: هزيمة المسلمين وقتلهم، أفشوه وهم يظنون أنه لا شيءَ عليهم في ذلك».

أفهمُ من الآية وتفسيرِها خطأَ التسرّعِ في نقلِ الأخبار المتعلّقة في مصير الأمة، دونَ الرجوعِ لأولي الأمر –من العلماء والأمراء- والصُّدورِ عنهم.

وقال البغوي –رحمه الله- في قولِه تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}:
«أي: يَستخرِجونَه وهم العلماء، أي: علموا ما ينبغي أن يُكتَمَ وما ينبغي أن يُفشَى».

فما كلُّ خَبَرٍ تجوزُ إشاعتُه بين الناس.
ثمَّ إنَّ للناسِ مع الخبرِ بعد إشاعتِه مواقفَ تفتقرُ إلى التصحيحِ وأن تُوزَنَ بميزان الشريعة.

وسأُحاوِلُ علاجَ هذا الأمرِ من خلال طرقٍ منها:

1- التثبّت من صحة الخبر.
2- تفسير الخبر. وعلى اصطلاح المعاصرين: (تحليلُ الحدَث).
3- أثرُ الخبر في العقيدة والمنهج والتفكير.

أولاً: التثبتُ من صحة الخبر:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]

وفي الحديث: «التثبُّت من الله، والعجلةُ من الشيطان».

وقال بعضُ أهل العلمِ –واصفاً حرص علماء الأمة على التثبت-:
«هذا شأنُ هذه الأمة: التبُّتُ في الرواة، التثبت في المُخبرين؛ لأنَّ المُخبرَ قد يكونُ فاسقاً لا يهمه الصدق، أو قد يكون كافراً يريد الإيقاع بين المسلمين، أو منافقاً، أو يكون رجلاً صالحاً ولكن فيه نزعةُ التسرّع وشدة الغيرة فيبادر بالأخبار قبل أن يتثبّت» [د.صالح الفوزان: وجوب التثبّت في الأخبار واحترام العلماء: 27].

وقال ابنُ خلدون –رحمه الله-: «ولمـّا كانَ الكذبُ مُتَطرِّقاً للخبرِ بطبيعتِه وله أسبابٌ تقتضيه. فمنها التشيُّعات للآراءِ والمذاهبِ، فإنَّ النَّفسَ إذا كانت على حالِ الاعتدالِ في قَبُولِ الخَبرِ أَعطته حقَّه من التمحيصِ والنَّظر حتى تَتَبيَّنَ صدقَهُ مِنْ كَذبِهِ،
وإذا خامَرَها تشيُّعٌ لرأيٍ قَبِلَتْ ما يُوافِقُه مِن الأخبارِ لأول وهلة، وكان ذلك الميلُ والتشيُّعُ غِطاءً على عيْنِ بصيرتِها عن الانتقاد والتمحيصِ فتقعُ في قَبُولِ الكذب ونقلِهِ.

ومن الأسبابِ المقتضية للكذب في الأخبار أيضاً: الثقةُ بالناقلين. وتمحيصُ ذلك يرجِعُ إلى التعديلِ والتجريح.

ومنها: الذهولُ عَنِ المقاصِد، فكثيرٌ مِن النَّاقلين لا يعرِفُ القَصْدَ بما عايَن أو سَمِعَ، وينقُلُ الخبَرَ على ما في ظنِّهِ وتخمينِهِ فيقع في الكذب...» [مقدمة ابن خلدون: الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة..].

ثانياً: إنْ كان (للتشيّعِ لرأيٍ) أثرٌ في قبول الخبر أو ردّه –كما ذكر ابنُ خلدون- فإنَّ أثرَه في تفسير الخبر واضح.

وقد ذكَرَ القنوجي –رحمه الله- أموراً في معرِض حديثه عن أسباب اختلاف الآراء، أذكر منها بعضَ ما يناسب هذا الباب:
قال –رحمه الله-:
«يُخلَقُ الناسُ على غرائزَ وهمم وعادات شتى ثم يتيسر لهم مصاحبات وأغراض واتفاقات فوضى، ولاختلافها مدخلٌ جليل في إحداث الآراء وترجيح المختلفات»

فمنهم:
- المسامِح يكتفي بالظنّ وبصورة من الصور المحتملة التي تفي بظاهر المقصود، والفحّاص عنه.
- وواسع الفهم المدرك للضوابط والحقائق، وضيّقه.
- والمغلوب في أيدي الوهم يبني الأمرَ على الاعتبارات المحضة، والغالبُ عليه.
- والمتقيد بالشرائع، والواهن فيها.
- والمشتهي للتفرّد، والمتنفّر عنه يحب التقليد.
- والمحب لشخص ومذهب، والمبغض له.
[انظر: أبجد العلوم: فصل في أسباب الاختلاف].

ولهذه الأمور وشبهها آثارٌ على تفسير الأحداث، وتوجيهها.

ثالثاً: أثرُ النازلة في العقيدة والمنهج والتفكير.
أعجبتني كلمةٌ لبعضِ المؤلّفين؛ حيث يقول في مقدمة كتابٍ له: «ولعلَّك واجدٌ في هذه النافلةِ أخباراً لا تروقُك، أولا يُصدِّقُها ظنُّك، فتجاوزْها! فإنَّ ذلك لا يضرّك؛ لأنني لستُ ممن يحكّم الواقعَ في الشرع الحنيف، وقِفْ عند القواعد العلميّة؛ لأنها أصلُ هذا التصنيف»اهـ.

فمن مزالقِ المتحمسين: تحكيم الواقعِ في الشرع. وذلك مفضٍ إلى الانحراف عن الجادة، والعماية عن الحق.

ألم ترَ أنَّ البعضَ حين تشرحُ له موقِفَ السلفِ –رحمهم الله- من بعضِ الفتنِ؛ بأدلةٍ شرعيّة، وقواعدَ فقهية معتبرة، يردُّ قولَك بسردِ (حوادثَ) حصلَتْ، و(تحليلاتٍ) قيلَتْ أو تُخيِّلَتْ.

وهاأنذا أذكرُ لك طرفاً مما بان لي خطرُه على عقيدة المسلم، فمن ذلك:
- روى لي بعضُ الشبابِ شيئاً مما تشيعُه «قناة الإفساد» عن أهل العلم، ثم علّق على الخبرِ بكلامٍ يوحي بتوجّسِه من بقيّة العلماء!

وأقولُ: لتكن التهمةُ التي أشِيعَتْ عن ذلك الشيخ صحيحةً، فهلاّ حُمِلت على المحملِ الحسن، وهي تقبلُ ذلك.
بل ليكن ذلك المُتَّهمُ ساقطَ العدالة، مستحقاً للفضح؛ فما بالُ أهلِ الصدق والعدالة؟
أيسقطُونَ بوزرِ غيرِهم؟!

ثم لاحِظ –أخي الكريم- أثرَ تلك الشائعة، وكيفَ دفعتْ البعضَ إلى الشك في أهلِ العلم عامة، وذلك الشكُّ طريقٌ إلى ردّ ما عند العلماء من العلم، وسبيلٌ إلى الشكّ في أشياء أخرى على رأسِها: عقيدة أهلِ السنة والجماعة.

وتُشاع في أيام المطارداتِ الأمنيّة لأصحابِ الفكر التفجيري بعضُ الروايات لبعض الأحداث؛ تكذّبُ ما تعلنُه وسائل الإعلامِ الرسمية.

وسواء صدقت تلك الإشاعات أم لا؛ فإنّ لجُلِّها أثرٌ على بعضِ من نقَصَ إدراكُهم؛ إذ يميل بقلبِه إلى أصحاب تلك الأفكار الشاذة، ويسيء الظنّ بأهل العلم الناصحين؛ فيقعُ في (حيصَ بيص) كما يقال!.

نسأل الله السلامة من كل فتنة مضلة.

وفي الختامِ دونَكم هذه الدرة:

قال بعضُ السلف: «إذا أقبَلَت الفتنةُ لم يعرفْها إلا العالم، وإن أدبرت عرفَها العالمُ والجاهل».

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبِه والتابعين لهم بإحسانٍ –اللهم اجعلنا منهم- إلى يوم الدين.


ناصر بن عبد الله الخزيِّم

27 / 3 / 1426هـ