الجمعة، يناير 14، 2011

« سَبْقٌ صحفِي » !


بسم الله الرحمن الرحيم

قال محمد المويْلحي: «الناسُ اليومَ في حركةٍ لا شرقيَّةٍ ولا غربيَّة، فقد اشتغَلَ بعضُهم ببعضٍ، واكتَفَوا من دهرِهم بِحوادِث يومهم، فتعطَّلَتْ بينَهم مجالِسُ العلم، واندرَسَتْ مجامِعُ الأدب، واقتصروا على مطالعةِ أخبارهم في الجرائد والصحف دون الدفاتر والكتُب»اهـ[حديثُ عيسى بن هشام: 102، ط: دار الشعب].
قلتُ: والصحافة -رعاك الله- هي كما قال الرافعي: «تمامها بمراعاة قواعد النقص في القارئ» [وحي القلم: 3/ 930، ط: بسَّام الجابي]. أي: هي تلبيةٌ لما يطلبُه القارئون، أو ما تظنُّ هي أنهم يطلبون!.
ولقد انشغل الناسُ بالأخبار اليوميِّة، فتسابق باعةُ الأخبار إلى «الحوادث» اليوميَّة أيهم يشيعها أوَّلا، فيظفر بالسبق الصحفي.
ولن يتسع المقام للراكضين -من نقَلَة الأخبار- فيمحصوا أنباءَهم مما لا تُقرّ نشرَه خِلَّتَا الصدقِ والأمانةِ.
فلا تعجب من شيوع كثير من الأكاذيب والأراجيف؛ فليس لكثير من الصحفيين وقتٌ لفحص بضاعتِهم.. فهم في مضمار السبْق، فاعف عنهم عفا الله عنك!!
ولا تسألني عن العِرْض المطعون بلا حق، واللوثاتِ المبثوثة في العقول بلا ورع، والنفوس التي تنافرَت بعد ذلك... فالصحفي في «سبْقِه» لا تزعجْه عنه، والزبائن في انتظار جديده؛ فاقعد معهم عن سعيك، واطوِ همَّك!!
هذه مسيرة عاجلِ الأنباء، مع كثير من أبناء الصحافة. وأحبُّ أن أؤكد أن حكمي هذا على طوائفَ منهم، لا عليهم كلّهم؛ فإن منهم من يسبِق دون أن يذيع فاسِدَ ما قنَص. وسيعرف الناسُ لهذا الصنف فضله وصدقَه وجودة طرحه. وهو ظافرٌ مرتين؛ إن سبَقَ لسبْقِه، وإن وصل متأخرا، قال الناس «القول ما قالت حذام»!
هذا النمط الأوسط، لستُ أعنيه في قولي.
وإنَّ أقواما لا يكتفون بإهمال جانب التمحيص، ومعرفة الصالح للنشر مما دونه، فحسب؛ بل يتجاوزن ذلك -عدوانا وإثما- إلى صريحِ الكذب، شأنهم في ذلك شأن البائع يكذبُ لتروج سلعتُه، لكنَّ بائع السِّلِعِ يغش الجيوب، وبائع الأخبار يغش العقول!
قال زكي مبارك: «ولكنَّ فريقا من هؤلاء الكاتبين يستبيحون لأنفسِهم الكذبَ والافتراءَ، فإذا سألتهم من شرَع لكم هذه الشريعة الباطلة: شريعة الكيد للناس... ابتسموا ابتسامةً صفراء، وقالوا إنما نفعلُ ذلك لينتبه الناسُ إلى ما نكتبُ فتنبُه جرائدُنا وتذيع!!» [البدائع: 50، ط: دار الكتب والوثائق القوميَّة].
أيها الناس، لا تعجلوا إلى البضائع الإخباريَّة فيسبق الزيفُ إلى عقولكم!.

ناصر
ليلة الأحد: 16 / 4 / 1430هـ.

الأربعاء، يناير 12، 2011

لفتة إلى أثر النشر الالكتروني في الاجتماع والثبات على السنة

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: 83]

قال الشوكاني –رحمه الله- في تفسيره: «وهؤلاء جماعةٌ من ضَعَفَةِ المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئاً من أمر المسلمين فيه أمنٌ نحو: ظفرِ المسلمين وقتل عدوهم، أو فيه خوفٌ نحو: هزيمة المسلمين وقتلهم، أفشوه وهم يظنون أنه لا شيءَ عليهم في ذلك»اهـ.

وقال البغوي –رحمه الله- في قولِه تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}:
«أي: يَستخرِجونَه وهم العلماء، أي: علموا ما ينبغي أن يُكتَمَ وما ينبغي أن يُفشَى»اهـ.


وحين يترك الشباب أمر (النوازل الجديدة) إلى أهل العلم والسنة، فإنَّ هذا أدعى لحفظ الاجتماع من التفرق، والشباب من الهلكة في الفتنة. وضد ذلك فتح لباب الكلام الكثير ممن لا يعلم ولا يدقق، أو لم تصفُ نيتُه للنصيحة.. فتشيع الأكاذيب وتكثر الأحكام المختلفة ويفترق الناس في كل فتنة تشتعل.

ولقد كان الشبابُ السلفي الناصح يبذلون النصحَ لمن ولج باب الكلام في نوازل الأمة، بلا علم وحكمة، ويحثونَه بالصبر على السنة ورد الأمور إلى أهلِها. فحرص إبليس أن يدخلَ بعض شباب السلفية في هذه الفتنة فما يصدر كلام من بعض المشايخ إلا وينشره، ويختلف هو وزملاؤه في الكتابة فيه، ويتسع مجال الكلام ويشتد داعي الانتصار للنفس. فالحذر الحذر. محبي السنة من هذه الفتن! فهي مزالق مودية إلى الهلاك.

وأحب أن أشير إلى أمر جرى قديما، وله أشباه في الواقع وسالف الأيام، وهو ما حصل قبل جيل (الإنترنت) ومشكلاته المتعبة؛ حيث نُسِبَ أحدُ العلماء المشاهير في الفقه والسنة إلى خطأ في مسألة من مسائل الصفات، فجرى إثرَ ذلك كلامٌ، وإشاعات، لكن انطفأت هذه الفتنة بحمد الله، ولعل مما ساعد على ذلك: أن (النشر الالكتروني) لم يتيسر للمتعجلين في إفشاء هذا الأمر وتوسيع دائرة الفتنة فيه. وفي الأيام عبَرٌ، فاعتبروا رحمكم الله!.



29 / 3 / 1430هـ.

قيمة الكِتاب

بسم الله الرحمن الرحيم


لن تبذلَ النفيسَ إلا لما هو غالٍ عندك، ولن يكونَ «النفيسُ» غاليَ القيمة عندك إلا إذا عَلَتْ همَّتُك.


وإنَّ بضعةَ ريالاتٍ لكثيرةٌ عند خسيسِ الهمةِ في حق طبعةٍ جيدةٍ من «صحيح البخاري» أو «تفسير ابن كثير» أو «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» أو «زاد المعاد» -مثلا-، وإنَّ عشرات الريالات لقليلة -عنده- في حق حلوى بلجيكية أو بعض قطع الزينة للسيارة أو وجبة عشاء في مطعم فاخر...




يشهدُ لذلك: أن بعض من يحتاج ابنه أو ابنتُه كتابا مهما لغرضٍ مَدْرسي، يقلِّب وجهه في الناس ليسألهم إعارته هذا الكتاب (الذي قد يكون ذائع الصيت منتشرا في المكتبات مهمِّا لا ينبغي أن يخلو من مثله بيت، ورخيص الثمن)، وليس يحجزُ ذلك الباحث عن شراء الكتاب قلة ذات اليد؛ لكنه الزهد في النفيس!.




ثم تجده إن رغِبت إليه زوجته أغلى ما تلبسه النساء ويرتديه الأطفال: مسوقا إلى أكبر المعارض وأشهر الأسواق.




فهو قد جهِل بفضل الأول فزهد فيه وبخل بثمنه، وعرف وقع الثاني في نفوس كثير من الناس أو في نفس أهلِهِ فدرَّ لذلك جيبُه!.




هذا شاهدٌ واحدٌ على قيمةِ الكِتاب عند بعض أصنافِ الناس. وإني أخالك أخي القارئ لم تنجذب إلى قراءة ما تحت عنوان هذا المقال إلا لصلةٍ بين نفسِك و«الكتاب»، وأظنك تتشوف إلى أحدِ معنيين: إما قيمة الكتاب في النفوس، أو قيمته مِن الفلوس. وكلا الأمرين يشغلان ذهنَ محبِّ الكتب.


وأنت تعلم أنَّ الكتابَ لا ترتفع قيمتُه -في نفوس العارفين- بحسن دفَّتيه، ورونق رسوماته، وجودة أوراقه فحسب.. لكنه يكون رفيعَ القيمة مِن الفلوس إن بلَغ ذلك الحُسنَ والرونق.


ومن هنا أستطيع أن أحكم على رجلين: دفع أولهما مئات الريالات في حق كتاب واحد مستعمل قديم الطباعة، لا يخلو من شطوب ورتوق؛ لكنه نادر العين، ودسم المادة.




وأما الثاني فقد دفع مثل ذلك الثمن في كتابٍ جيِّد الطباعة والأوراق، بهيج المنظر، حسن التنسيق. غيرَ أنَّ مادتَه مكررة أو ضعيفة، وسيئة الضبط رديئة، غير محققة تحقيقا علميا.




فأقول: للناس فيما يعشقون مذاهب.


وإنَّ الأول عشِق علما ففداه بما دفع، والثاني عشق جمالا ففداه بما دفع.




وأذكر أنني رأيتُ مجلدا ضخما ذا طباعة فاخرة رائقة، فلما تصفَّحتُه وجدتُ في كل صفحةٍ منه بيتا من الشعر، فإذا هي أحد المعلقَّات! ويحق لي أن أقول إنَّ هذا المجلد الفاخرَ لا يساوي نسخة مستعملة شرِبَتْ من الغبار حتى شبعت: من شرح الأنباري على المعلقات!.


هذا، ولا أحب أن أخوض في أمر تفاوت الأسعار بين المكتبات، وما إلى ذلك، ولا في مسألة الفرق بين جامعِ الكتبِ وقارئها... بل أحب أن أقف عند الجانب الذي أشرتُ إليه في شأن نفوس الناس وما تهوى في شأن الكتب. لأشير بعده إلى أن للكتاب عند كاتبه قيمة أخرى، يقول إبراهيم المازني في مقالات له ضمَّها في كتاب: «...وقد جُمِعَتْ الآن وطُبِعَتْ وهي تابع المجموعة منها بعشرة قروش لا أكثر! ولستُ أدَّعي لنفسي فيها شيئًا من العمق أو الابتكار أو السداد، ولا أنا أزعمها ستُحدِث انقلابًا عسكريًّا في مصر أو فيما هو دونها، ولكني أقسِم أنَّك تشتري عُصَارَةَ عقلي وإن كان فجًّا، وثمرة اطلاعي وهو واسع، ومجهود أعصابي وهي سقيمة، بأبخس الأثمان»اهـ[حصاد الهشيم: 3].




هذه خواطر وإن شئتَ قل: «سواليف»، كتبتُها على عجَل، وهي لو خلَت «مِن العمق أو الابتكار أو السداد»، فلعل فيها ما يستدعي أفكارا كمُنَت في ذهن القارئ. فإنَّ الحجرَ لا يُحفظُ كما يُحفظُ الدُّر؛ لكنَّه يُرمى في الماء الراكد فيحرِّكُه.


ناصر

ليلة: 28 / 10 / 1431هـ

دعوةٌ إلى الائتلاف ونبذِ أسباب الفرقة



بسم الله الرحمن الرحيم


لا يشك عاقل في أنَّ الفرقةَ في الدين من أعظم مصائب الأمَّة؛ إذ إنَّ في الافتراق إضعافٌ للجماعة، وجماعة الحق إن ضعفت عجزت عن تحقيق الكثير من مصالحها. قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، وعن مجاهدٍ في قوله تعالى: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قال: «نصركم، وقد ذهب ريحُ أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] حين نازعوه»اهـ [فتح القدير: تفسير سورة الأنفال].

وللاجتماع أسباب، وللفرقة أسباب، ولعلي أقف عند بعض أسباب أولئك، فأقول:

1- الإخلاص والتجرُّد لله عزَّ وجل، فإن فسَد القصدُ فسَد العمل.

2- العلم، فالجاهل يقع في المحظور لظنِّه أنه مشروع، ويعترض على بعض الشرع لظنِّه أنه ليس من الشرع.

3- إنَّ الأخذ بهذا الدين العظيم كله هو من أعظم أسباب الاجتماع على الحق، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله –بعد ذكره لآياتٍ في النهي عن التفرق وبيان أسبابه-: «...فظهر أنَّ سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به ظاهرًا وباطنًا» [أضواء من فتاوى شيخ الإسلام: 1/ 27].

وقال عن سبب الفرقة : «وسبب الفرقة ترك حظ مما أمرَ الله به العبد، والبغي» [المصدر السابق].
قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الشورى:14].
قال الشيخ: «والبغي إمَّا تضييع للحق أو تعدٍّ للحد؛ فهو إمَّا ترك واجب، أو فعل محرَّم»اهـ [السابق: 1/ 25].

4- الاعتصام بالكتاب والسنَّة سبب من أعظم أسباب الاجتماع، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] فالاعتصام بحبل الله نجاة وعصمة.
والتفرق في الدين منشؤه الإخلال في الاعتصام بالدين. قال الشوكاني رحمه الله: «ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين» [فتح القدير تفسير هذه الآية].

ومن أسباب التفرق: الإحداث في دين الله قال ابن تيميَّة: «البدعةُ مقرونةٌ بالفرقة»اهـ.

5- ومن أسباب الاجتماع التناصح، وردم منكر العقائد والأعمال.
قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 104 ، 105].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «ينهى تبارك وتعالى هذه الأمَّة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع قيام الحجة عليهم». [تفسير ابن كثير لتلك الآيات].

ومن أسباب الفرقة: ترك النصيحة، والسكوت عن الأفكار المحدَثة التي إن تُرِكَتْ تبنَّاها طوائف تفترق عن جماعة الحق بما انتحلت وتبنَّت.
قال الخطَّابي –رحمه الله-:
«...لو تُرِكَ النَّاسُ متفرِّقِين؛ لتفرَّقَتْ الآراء والنحل، ولكثُرت الأديان والملل، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول، وهذا والله الذي عابَه الله عزَّ وجل من التفرُّق في كتابِه»اهـ.
[عن كتاب: «زجر المتهاون بضرر قاعدة (المعذرة والتعاون)» تأليف حمد العثمان، ومراجعة الشيخ صالح الفوزان، وتقريظ الشيخ عبد المحسن العبَّاد].




6- ومن أسباب الاجتماع: الرفق؛ فكما أنَّ النقد منهجٌ شرعي، فالرفق –أيضا- منهجٌ شرعي؛ فما جُعِل الرفق في شيء إلا زانه، ومن الرفق: مراعاة مدارك الناس، وشرح المقدمات التي تمهد العقل لإدراك الحقائق.

ومن أسباب الفرقة الأخذ بالعنف، وعدم التفريق بين الجاهل البسيط والمجادل العنيد.

7- ومن أسباب الألفة والاجتماع: العفو والتسامح مع من أخطأ في حقك، فعليك أن تعتذر له وتعفو عن زلته، وإن كان سفيهًا فأعرِض عن سفهه قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].

وأما التسامح مع من أحدث في الدين والتغاضي عنه؛ فليس لك إذ هو من حقوق الدين، لا مِنْ حقوقك أنت!
[وانظر: سلسلة شرح الرسائل، للفوزان: 25، وما بعدها]

8- من أسباب الاجتماع: التثبت من الشائعات، ومن أسباب الاختلاف المذموم: تناقل الشائعات، والتعويل عليها؛ دون تثبُّتٍ.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]. قال قتادة: فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «التبين من الله، والعجلة من الشيطان» [توفيق الرحمن في دروس القرآن لآل مبارك: (4/ 130)].


هذا ما تيسَّر ذكرُه، فعلينا أن نتمسَّك بأسباب الاجتماع الحقيقية؛ كالإخلاص، والعلم، الاعتصام بالوحي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونبذ البدع ومجانبة أصحابها.

وأنْ نتقي أسباب الفرقة؛ كالهوى، والجهل، والبدع، والسكوت عنها والتهوين من أمرها، والحسد، وعدم التبت من الشائعات...

فإن حصل شيء من الخلاف عملنا بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


ناصر الخزيم
2 / 1 / 1428هـ.

الثلاثاء، يناير 11، 2011

غَيَابَةُ شجَن، وصَوْتُ عَقْل !

 بسم الله الرحمن الرحيم
أشرعُ الآن في الكتابة، ولستُ ألوي على شيء؛ إذ لم يختمر في صدري كلامٌ يصلُح أن يُكتَب، ومع هذا فالنفسُ منجذبةٌ إلى الكتابة لدوافعَ منها: تلك الحالة التي تصيب الشاعر حين تثور نفسُه بأشجان لا تندفع إلى مرغوب بعينه أو تستوحش من مرهوب بذاته؛ بل تتصاعد من لظى قلبه لتغطي مركزَ تفكيره، فتهيج نفسُه إلى البوح، وهو لا يدري بماذا يبوح! وعمَّا يتحدث!

جمالُ الجو مع تعكّر المزاج، حصول محبوب مع فوات آخر، لقيا الأحباب دون الارتواء من عذْبِ الألفة، الذكريات حلوها ومرها، أشياء .. وأشياء تجتمع في النفس -في ساعات من الزمن- فتكوِّن خليطاً من المشاعر، يتشوف الإنسان إلى إخراجِها؛ فيكشف –إن استطاع التفسيرَ- لصديق له عن دخيلة صدره، أو ينفث أبياتاً من الشعر أو سطورا من النثر أو يرسم صورةً على لوح؛ تطفي بعضَ ما به وتشجي غيرَه.

وبعد؛ فقد هدأ بعضُ ما بي! وكنتُ أنوي أن أشرح لكم دافعاً آخرَ يدفعني إلى الكتابة؛ لكنَّ مساقَه لا يناسب مساقَ الأول؛ إذ الأول وهجُ نفسٍ ومحاولةُ بوح، أما الثاني فمطلبُ عقلٍ، وشرارةُ فكر؛ ففي عقلي صوتٌ ينادي بأن: روِّض قلمَك على البيان، ولا تهجر ما وصلَك منه؛ فلعلَّه إن هجرك ألا يعودَ أبد الدَّهر!.


ليلة الأربعاء: 11/ 12 / 1426هـ.


[] [] []



لقد حاورَ الشعراءُ القمرَ والليلَ والبحر، واستحضروا في أشعارهم الكهوف والخناجرَ والدمَ ومعانٍ يصعبُ حصرها... وأظنُّ أن الذي يحملهم على إنشاء تلك الحوارات واستدعاء الصور والخيالات هو ما يجدونه في أنفسهم من حاجة إلى البوح ووصف المشاعر الثائرة في النفس؛ فكان القمرُ مثابةً للعاشق الولهان! والليلُ سجنا للحزين الكسير،
والبحرُ نافذة على عوالم لا يستقرُّ المتفكِّر فيها على حال..
والكهف رمزُ عزلة، والخنجر يحضر في خيال النادم، والدم آية صراع مصابر مع الأهوال.



وبعدُ أيها القارئ الكريم؛ فإنَّ نفس الإنسان متقلِّبَةٌ بالطبع؛ يرِدُ عليها من جواذب الجدِّ والهزل، وثورة الشجن وركود العاطفة ما يصرفها عن أمرٍ جمعَتْ نفسَها عليه إلى أمرٍ آخر. فمن أغرق نفسَه ببحر العواطف ودفنها بـ«غيَابَة الشجن» فهو بالخبال أليق، وبالغواية ألصق.
وقد أشار ابن حزم رحمه الله [رسائل ابن حزم: 68] إلى أن ذلك الضرب من الانشغال: ينقضُ بِنيَةَ المرء الرائض لنفسه حتى يحتاج إلى إصلاحها ومعاناتها برهة، لا سيما ما كان يعنى بالمذكَّر وصفة الخمر والخلاعة، فإنَّ هذا النوع يسهِّل الفسوقَ ويهوِّن المعاصي ويُرْدِي جملةً. اهـ.

فلا ينبغي أن تحجبنَا «غيَابَةُ الشجنِ» عن «صَوْتِ العقلِ».


ناصر الكاتب
الجمعة: 20/ 12 / 1426هـ.