الثلاثاء، يناير 11، 2011

غَيَابَةُ شجَن، وصَوْتُ عَقْل !

 بسم الله الرحمن الرحيم
أشرعُ الآن في الكتابة، ولستُ ألوي على شيء؛ إذ لم يختمر في صدري كلامٌ يصلُح أن يُكتَب، ومع هذا فالنفسُ منجذبةٌ إلى الكتابة لدوافعَ منها: تلك الحالة التي تصيب الشاعر حين تثور نفسُه بأشجان لا تندفع إلى مرغوب بعينه أو تستوحش من مرهوب بذاته؛ بل تتصاعد من لظى قلبه لتغطي مركزَ تفكيره، فتهيج نفسُه إلى البوح، وهو لا يدري بماذا يبوح! وعمَّا يتحدث!

جمالُ الجو مع تعكّر المزاج، حصول محبوب مع فوات آخر، لقيا الأحباب دون الارتواء من عذْبِ الألفة، الذكريات حلوها ومرها، أشياء .. وأشياء تجتمع في النفس -في ساعات من الزمن- فتكوِّن خليطاً من المشاعر، يتشوف الإنسان إلى إخراجِها؛ فيكشف –إن استطاع التفسيرَ- لصديق له عن دخيلة صدره، أو ينفث أبياتاً من الشعر أو سطورا من النثر أو يرسم صورةً على لوح؛ تطفي بعضَ ما به وتشجي غيرَه.

وبعد؛ فقد هدأ بعضُ ما بي! وكنتُ أنوي أن أشرح لكم دافعاً آخرَ يدفعني إلى الكتابة؛ لكنَّ مساقَه لا يناسب مساقَ الأول؛ إذ الأول وهجُ نفسٍ ومحاولةُ بوح، أما الثاني فمطلبُ عقلٍ، وشرارةُ فكر؛ ففي عقلي صوتٌ ينادي بأن: روِّض قلمَك على البيان، ولا تهجر ما وصلَك منه؛ فلعلَّه إن هجرك ألا يعودَ أبد الدَّهر!.


ليلة الأربعاء: 11/ 12 / 1426هـ.


[] [] []



لقد حاورَ الشعراءُ القمرَ والليلَ والبحر، واستحضروا في أشعارهم الكهوف والخناجرَ والدمَ ومعانٍ يصعبُ حصرها... وأظنُّ أن الذي يحملهم على إنشاء تلك الحوارات واستدعاء الصور والخيالات هو ما يجدونه في أنفسهم من حاجة إلى البوح ووصف المشاعر الثائرة في النفس؛ فكان القمرُ مثابةً للعاشق الولهان! والليلُ سجنا للحزين الكسير،
والبحرُ نافذة على عوالم لا يستقرُّ المتفكِّر فيها على حال..
والكهف رمزُ عزلة، والخنجر يحضر في خيال النادم، والدم آية صراع مصابر مع الأهوال.



وبعدُ أيها القارئ الكريم؛ فإنَّ نفس الإنسان متقلِّبَةٌ بالطبع؛ يرِدُ عليها من جواذب الجدِّ والهزل، وثورة الشجن وركود العاطفة ما يصرفها عن أمرٍ جمعَتْ نفسَها عليه إلى أمرٍ آخر. فمن أغرق نفسَه ببحر العواطف ودفنها بـ«غيَابَة الشجن» فهو بالخبال أليق، وبالغواية ألصق.
وقد أشار ابن حزم رحمه الله [رسائل ابن حزم: 68] إلى أن ذلك الضرب من الانشغال: ينقضُ بِنيَةَ المرء الرائض لنفسه حتى يحتاج إلى إصلاحها ومعاناتها برهة، لا سيما ما كان يعنى بالمذكَّر وصفة الخمر والخلاعة، فإنَّ هذا النوع يسهِّل الفسوقَ ويهوِّن المعاصي ويُرْدِي جملةً. اهـ.

فلا ينبغي أن تحجبنَا «غيَابَةُ الشجنِ» عن «صَوْتِ العقلِ».


ناصر الكاتب
الجمعة: 20/ 12 / 1426هـ.

ليست هناك تعليقات: