الأحد، مارس 10، 2013

الحَدَثُ، وتحليلاتُه

بسم الله الرحمن الرحيم

في السنوات الأخيرة أُصبنا بكثير من الأحداث التي كان لها أثرٌ كبير في إشعال نيران الفتن، وشيوع الكثير من الأخبار الكاذبة؛ فكلما سمعنا عن وقوع حادثة من الحوادث تتابع على مسامعنا عدد من الروايات لذلك الحدث، والتحليلات لتلك الواقعة.

ومعلومٌ ما (للحدَثِ) من أثرٍ في العقولِ والمواقف.

وعليه؛ فلا بدّ من أن نتبيّنَ (الموقفَ الصحيحَ) تجاه الوقائع. كي تسلَمَ عقولُنا من التخليط، وألسنتُنا من الزلل، واجتِماعُنا من التفرّق.

قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:83].

قال الشوكاني –رحمه الله- في تفسيره: «وهؤلاء جماعةٌ من ضَعَفَةِ المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئاً من أمر المسلمين فيه أمنٌ نحو: ظفرِ المسلمين وقتل عدوهم، أو فيه خوفٌ نحو: هزيمة المسلمين وقتلهم، أفشوه وهم يظنون أنه لا شيءَ عليهم في ذلك».

أفهمُ من الآية وتفسيرِها خطأَ التسرّعِ في نقلِ الأخبار المتعلّقة في مصير الأمة، دونَ الرجوعِ لأولي الأمر –من العلماء والأمراء- والصُّدورِ عنهم.

وقال البغوي –رحمه الله- في قولِه تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}:
«أي: يَستخرِجونَه وهم العلماء، أي: علموا ما ينبغي أن يُكتَمَ وما ينبغي أن يُفشَى».

فما كلُّ خَبَرٍ تجوزُ إشاعتُه بين الناس.
ثمَّ إنَّ للناسِ مع الخبرِ بعد إشاعتِه مواقفَ تفتقرُ إلى التصحيحِ وأن تُوزَنَ بميزان الشريعة.

وسأُحاوِلُ علاجَ هذا الأمرِ من خلال طرقٍ منها:

1- التثبّت من صحة الخبر.
2- تفسير الخبر. وعلى اصطلاح المعاصرين: (تحليلُ الحدَث).
3- أثرُ الخبر في العقيدة والمنهج والتفكير.

أولاً: التثبتُ من صحة الخبر:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]

وفي الحديث: «التثبُّت من الله، والعجلةُ من الشيطان».

وقال بعضُ أهل العلمِ –واصفاً حرص علماء الأمة على التثبت-:
«هذا شأنُ هذه الأمة: التبُّتُ في الرواة، التثبت في المُخبرين؛ لأنَّ المُخبرَ قد يكونُ فاسقاً لا يهمه الصدق، أو قد يكون كافراً يريد الإيقاع بين المسلمين، أو منافقاً، أو يكون رجلاً صالحاً ولكن فيه نزعةُ التسرّع وشدة الغيرة فيبادر بالأخبار قبل أن يتثبّت» [د.صالح الفوزان: وجوب التثبّت في الأخبار واحترام العلماء: 27].

وقال ابنُ خلدون –رحمه الله-: «ولمـّا كانَ الكذبُ مُتَطرِّقاً للخبرِ بطبيعتِه وله أسبابٌ تقتضيه. فمنها التشيُّعات للآراءِ والمذاهبِ، فإنَّ النَّفسَ إذا كانت على حالِ الاعتدالِ في قَبُولِ الخَبرِ أَعطته حقَّه من التمحيصِ والنَّظر حتى تَتَبيَّنَ صدقَهُ مِنْ كَذبِهِ،
وإذا خامَرَها تشيُّعٌ لرأيٍ قَبِلَتْ ما يُوافِقُه مِن الأخبارِ لأول وهلة، وكان ذلك الميلُ والتشيُّعُ غِطاءً على عيْنِ بصيرتِها عن الانتقاد والتمحيصِ فتقعُ في قَبُولِ الكذب ونقلِهِ.

ومن الأسبابِ المقتضية للكذب في الأخبار أيضاً: الثقةُ بالناقلين. وتمحيصُ ذلك يرجِعُ إلى التعديلِ والتجريح.

ومنها: الذهولُ عَنِ المقاصِد، فكثيرٌ مِن النَّاقلين لا يعرِفُ القَصْدَ بما عايَن أو سَمِعَ، وينقُلُ الخبَرَ على ما في ظنِّهِ وتخمينِهِ فيقع في الكذب...» [مقدمة ابن خلدون: الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة..].

ثانياً: إنْ كان (للتشيّعِ لرأيٍ) أثرٌ في قبول الخبر أو ردّه –كما ذكر ابنُ خلدون- فإنَّ أثرَه في تفسير الخبر واضح.

وقد ذكَرَ القنوجي –رحمه الله- أموراً في معرِض حديثه عن أسباب اختلاف الآراء، أذكر منها بعضَ ما يناسب هذا الباب:
قال –رحمه الله-:
«يُخلَقُ الناسُ على غرائزَ وهمم وعادات شتى ثم يتيسر لهم مصاحبات وأغراض واتفاقات فوضى، ولاختلافها مدخلٌ جليل في إحداث الآراء وترجيح المختلفات»

فمنهم:
- المسامِح يكتفي بالظنّ وبصورة من الصور المحتملة التي تفي بظاهر المقصود، والفحّاص عنه.
- وواسع الفهم المدرك للضوابط والحقائق، وضيّقه.
- والمغلوب في أيدي الوهم يبني الأمرَ على الاعتبارات المحضة، والغالبُ عليه.
- والمتقيد بالشرائع، والواهن فيها.
- والمشتهي للتفرّد، والمتنفّر عنه يحب التقليد.
- والمحب لشخص ومذهب، والمبغض له.
[انظر: أبجد العلوم: فصل في أسباب الاختلاف].

ولهذه الأمور وشبهها آثارٌ على تفسير الأحداث، وتوجيهها.

ثالثاً: أثرُ النازلة في العقيدة والمنهج والتفكير.
أعجبتني كلمةٌ لبعضِ المؤلّفين؛ حيث يقول في مقدمة كتابٍ له: «ولعلَّك واجدٌ في هذه النافلةِ أخباراً لا تروقُك، أولا يُصدِّقُها ظنُّك، فتجاوزْها! فإنَّ ذلك لا يضرّك؛ لأنني لستُ ممن يحكّم الواقعَ في الشرع الحنيف، وقِفْ عند القواعد العلميّة؛ لأنها أصلُ هذا التصنيف»اهـ.

فمن مزالقِ المتحمسين: تحكيم الواقعِ في الشرع. وذلك مفضٍ إلى الانحراف عن الجادة، والعماية عن الحق.

ألم ترَ أنَّ البعضَ حين تشرحُ له موقِفَ السلفِ –رحمهم الله- من بعضِ الفتنِ؛ بأدلةٍ شرعيّة، وقواعدَ فقهية معتبرة، يردُّ قولَك بسردِ (حوادثَ) حصلَتْ، و(تحليلاتٍ) قيلَتْ أو تُخيِّلَتْ.

وهاأنذا أذكرُ لك طرفاً مما بان لي خطرُه على عقيدة المسلم، فمن ذلك:
- روى لي بعضُ الشبابِ شيئاً مما تشيعُه «قناة الإفساد» عن أهل العلم، ثم علّق على الخبرِ بكلامٍ يوحي بتوجّسِه من بقيّة العلماء!

وأقولُ: لتكن التهمةُ التي أشِيعَتْ عن ذلك الشيخ صحيحةً، فهلاّ حُمِلت على المحملِ الحسن، وهي تقبلُ ذلك.
بل ليكن ذلك المُتَّهمُ ساقطَ العدالة، مستحقاً للفضح؛ فما بالُ أهلِ الصدق والعدالة؟
أيسقطُونَ بوزرِ غيرِهم؟!

ثم لاحِظ –أخي الكريم- أثرَ تلك الشائعة، وكيفَ دفعتْ البعضَ إلى الشك في أهلِ العلم عامة، وذلك الشكُّ طريقٌ إلى ردّ ما عند العلماء من العلم، وسبيلٌ إلى الشكّ في أشياء أخرى على رأسِها: عقيدة أهلِ السنة والجماعة.

وتُشاع في أيام المطارداتِ الأمنيّة لأصحابِ الفكر التفجيري بعضُ الروايات لبعض الأحداث؛ تكذّبُ ما تعلنُه وسائل الإعلامِ الرسمية.

وسواء صدقت تلك الإشاعات أم لا؛ فإنّ لجُلِّها أثرٌ على بعضِ من نقَصَ إدراكُهم؛ إذ يميل بقلبِه إلى أصحاب تلك الأفكار الشاذة، ويسيء الظنّ بأهل العلم الناصحين؛ فيقعُ في (حيصَ بيص) كما يقال!.

نسأل الله السلامة من كل فتنة مضلة.

وفي الختامِ دونَكم هذه الدرة:

قال بعضُ السلف: «إذا أقبَلَت الفتنةُ لم يعرفْها إلا العالم، وإن أدبرت عرفَها العالمُ والجاهل».

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبِه والتابعين لهم بإحسانٍ –اللهم اجعلنا منهم- إلى يوم الدين.


ناصر بن عبد الله الخزيِّم

27 / 3 / 1426هـ



هناك 3 تعليقات:

OpenSooq يقول...

بيع واشتري بدون عمولة على السوق المفتوح Open Sooq

شامل اس ام اس لرسائل الجوال يقول...

مشكور علي المدونة الرائعة
يشرفنا زيارتكم لموقع رسائل الجوال شامل اس ام اس
موقع متخصص في رسائل الجوال للشركات والأفراد والمدارس والجمعيات الخيري

تنظيف بالدمام يقول...

نحن فى شركة ركن الشامل نقدم كل خدمات التنظيف والمكافحة وتسليك المجارى ونقل الاثاث بالرياض اتصل بنا على شركة
تنظيف منازل بالرياض نصلك فى الحال 0500801797