﷽
صاحبُ السنَّة يتحرى في قوله وفعله واعتقاده وبحثه: موافقةَ السنَّة. يقف عند ما بلغه من أمرِ الله تعالى، لا يجادل فيه، ولا يتكلّف ما لا يعلم، ولا يتعصبُ لغير ما ظهر من الحق الساطع.
وصاحبُ الهوى: يتحرى نُصرةَ رأيه، أو رأي مَن يحب، أو إغاظةَ عدوه، أو ليتزيَّا بما يظنُّ أنه يُجملّه عند غيره، وقد يدفعه اضطرابُه إلى التلفيق بين مختلف الآراء، ليرضيَ الجميع، أو يُسكتَ ترددا حاكَ في نفسه.
قال الإمامُ أحمد رحمه الله –في أصول السنَّة-عن السُنَّة: «...ولا تُضرَبُ لها الأمثال، ولا تُدرَك بالعقول ولا الأهواء، إنَّما هو الاتباعُ وتركُ الهوى»اهـ.
فالطريقُ إلى السنَّة: اتباع الدليل، والتمسك بما كان عليه أصحابُ النبي ﷺ، والاقتداء بهم وترك البدع.
وليس في الآراء المحضة، وميول النفس، وليس في ما عليه الكثرة من الناس.
قال ﷺ: «من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعة»اهـ.
وذكَر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنَّ النجاةَ من العذاب الأليم هو الروايةُ والنقل، وأنَّ العقل وحده لا يكفي، فكما أنَّ نور العين لا يَرى مع ظهور نورٍ قُدَّامه، فكذلك نورُ العقل لا يهتدي إلا إذا طلعتْ عليه شمس الرسالة. [انظر: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام في العقيدة: 1/ 22].
ولقد تتابعَتْ في الناس فتنٌ وبُثَّت فيهم آراء، اجتالتْ فِرَقًا منهم إلى مسالك شتَّى، يعيب كلُّ منهم غيرَه، ويُحسن الظنَّ في نفسه، ويركنُ إن عصفَت به الفتن إلى هواه!
والفتنُ كثيرة مختلفة، لكنَّ من شرّها وقوع المرء في فتنة الخصومات في الدين، فإنَّها شتاتٌ تفرَّقَت به القلوب والأديان.
قال ﷺ : «ما ضلَّ قومٌ بعدَ هدى إلا أُوتوا الجدل» [أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح]
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «من جعل دينَه غَرضًا للخصوماتِ أكثرَ التنقُّل».
وقد ذمَّ علماءُ السلف رحمهم اللهَ الجدلَ والمخاصمة في الدين، وحذّروا من سوء عاقبته.
ولأهلِ الخصوماتِ –وقاني الله وإياك وتاب عليَّ وعليكَ- مسالك وخصال، أحبُّ أن أقف وإياكَ على شيء من آفاتها، فإنَّ في معرفَة الشرِّ –كما تعلم- ما يردُّ عنه.
1/ قال تعالى: (ولَمَّا ضُرِبَ ابنُ مريمَ مثلا إذا قومُكَ منه يَصِدُّون (57) وقالوا ءألهتنا خيرٌ أم هو ما ضربُوهُ لَكَ إلا جَدَلا بل هم قومٌ خِصمون) [الزخرف: (57، 58)]
وإن رجعتَ إلى سبب نزول الآية ستجد ما يدل على ولعِ المُبطِل بالجدل!
فإنَّ المشركين يعلمون أنَّ المرادَ بقوله تعالى: (وما تعبدون من دون الله حصَبُ جهنَّم) [الأنبياء: 98]: هؤلاء الأصنام [انظر: تفسير البغوي: 7/ 218، ط: طيبة]
لكنَّ الهوى وحبَّ الجدل والتشغيب والتصيُّد دفعهم إلى أن يقولوا: يزعم محمد أنَّ كلَّ ما عُبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكونَ آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار! [انظر: تفسير البغوي: 7/ 218]
فلاحظْ أنَّ صاحب الهوى لا يلتفت إلى ما تقوم به الحجة، بل إلى شيء يستطيع به أن يُشغّبَ على خصمه.
وهذه من أبرز سمات أهل الخصومات!
٢/ ولاحظْ أنَّه يتعلَّق بالقياس العليل ويترك الحق الواضح! فالمشركون تعلقوا بشبهة خلاصتها أنَّ النبي ﷺ ساوى في النهي عن عبادة عيسى عليه السلام والنهي عن عبادة الأصنام، وأنَّ كون معبوداتهم في النار، يستلزم كون عيسى عليه السلام كذلك! [راجع تفسير السعدي للآية]
وليس في هذا متمَّسك لهم لكنَّهم كما قال الله تعالى: (قومٌ خَصِمُون).
٣/ثمَّ لاحظ أنَّ أهل الخصومات أهل سفَه تتشوف نفوسهم للمواقف التي يضحكون فيها من مخالفهم، فيوقعهم هذا في بطر الحق. كشأن المشركين مع هذه الشبهة التي تعلقوا بها حيث إنَّهم كما قال العلامة السعدي رحمه الله: «فَرحوا بها، واستبشروا، وجعلوا يصدون ويتباشرون» [تفسيره: 714، ط: مؤسسة الرسالة بتحقيق د.اللويحق].
ثمَّ قلِّب في واقعنا اليوم خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي: تجد أنَّ البعض يُعرضُ عن الحجج، ويتعلّق بما يشغب به على خصمه، فغايته كسر الخصم لا نصر الحق، ثم دقق النظر تجد أنه يتترسُ بواهي الأقيسة، كأن يقارن بين شيئين يزعم أنهما متناقضان، دون ردٍّ النزاع إلى الكتاب والسنة وأهل العلم كما قال تعالى: (فإنْ تنازعتُم في شيء فردُّوه إلى الله والرسولِ إنْ كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) [النساء: 59].
وستجد أيضًا، أن السخرية والتهكم والتضاحك سيرةٌ غالبة في أهل الخصومات، فهم يسرعون إليها، لا إلى البحث عن الحق، والتأمل في الدلائل، والنصح للخلق، والله المستعان!
ناصر الخزيّم
@Nasseralkhozim