الأربعاء، فبراير 21، 2018

أنَــا

كالرّمْلِ في كَفِّ الرياحِ أنَا
بدَدًا تُبَعْثِرُ حَسْرتيْ شَجَنَا

لَوْ كُنْتُ أَحْفَظُ ما ينوبُ ضُحًى
لأَشَعْتُ في كَهْفِ المساءِ سَنَا

وَبذرتُ مِنْ حِكَمِ الأسَىٰ نَدَمًا
وقطفتُ في وَهَجِ الفؤادِ جَنَىٰ

وأذعتُ في كُلِّ الحُدودِ فَمًا
وجَعَلْتُ كُلَّ جوارحي أُذُنَا

وَقَبَضْتُ -قبْلَ الأُعطِيَاتِ- يَدِيْ
لتصولَ تُشبِعُ في الضميرِ مُنَىٰ

وأَذبْتُ وَهْمًا باتَ ينسِجُ لي
حُلُمًا يُساقي روحيَ الحَزَنَا

وَأَصَرْتُ ما يَنْدَسُّ في وَجَلِيْ
حَطَبًا لنارِ عزيمتي أحِنَا

كَصَدًى أحُولُ من السّفوحِ إلى
جَبَلٍ يخاطِبُ، بالسمُوِّ، دُنَى

وأفِيءُ ظِلا وارِفًا ونَدًى
مِنْ طَبْعِهِ أنْ ينفَحَ الحَسَنَا

تَحْلُو الحياةُ إذا مَشَيْتَ على
دَرْبٍ يَضُمُّ الصّعْبَ والمِنَنَا

سَتَؤولُ نفسُكَ، إنْ صبَرْتَ، إلى
عاداتِ مَجْدٍ تُحْكِمُ الرّسَنَا

أَسْمِعْ جِراحَكَ حينَ تجمَعُهَا:
"اللهُ أكبرُ!".. واقتلوا الوَهَنَا !

وأَسِلْ على كُلِّ القِلاعِ دَمًا
لِيَرى الكسولُ الجُهْدَ والثّمَنَا

ساعاتُ عُمْرِي كالحفيدِ غفا
عن سَعْيِ جَدٍّ عَارَكَ المِحَنَا

أسْلُو بلهْوٍ مُسكِتٍ وَجَعًا
حتّىٰ أُفاجَئَ بالحريقِ دَنَا !

ناصر الخزيم

١٩ / ٤ / ١٤٣٨

طيف الأحبة وطيف تأبّط شرا!

حوارٌ معَ معانٍ عبَرَتْ في المفضليَّةِ الأولى (قصيدة تأبّط شرّا)


تَشْقَى لِطِيفٍ على الأهوالِ طرَّاقِ؟!

يا هائِلَ العَدْوِ! طيفٌ سَدَّ آفاقي!

تَأبَّطَ الشَدْوَ والتّذكارَ مُنسرِبًا

على هَجيرِ النَّوى في صَدْرِ مُشتاقِ

وحثحثَ الفِكرَ فاندَقَّتْ قوادِمُهُ

فرجَّعَ الصوتَ حُزْنًا طَيْرُ أعماقي

إنِّي إذا خَفْقَةٌ أَصْغَتْ إلى شَجَنٍ

صاحَتْ بجيشٍ بساحِ القلْبِ خَفَّاقِ

حرفٌ يناولني ذكرًى تُكلّمُني

فيُسقِطُ الحرفُ دَمعًا فوقَ أوراقي

أرنو إلى بَسْمَةٍ قَدْ غابَ مَبْسِمُها!

فتَمَّحِي خلْفَ وَهْمٍ ساءَ أحداقِي

أكنتَ يا ساقِيَ الأوهامِ تعبثُ بي؟!

أم صرتَ مثلَ «ضعيفِ الوصلِ أحذاقِ»؟

غرِقْتُ إنْ كُنتَ تبغي اليومَ إغراقِي

تعبتُ إن كنتَ تبغي الآن إرهاقي !

يسافِرُ الشعرُ في الألحانِ منفَلِتًا

مِنَ الحقيقَةِ في غيبٍ فإشراقِ

يخفي دخائلَ قلبٍ قال في عِوَلٍ:

«يا ويحَ نفسيَ من شوقٍ وإشفاقِ!»

يُخفي ويُجلي فهذا الطيفُ قلَّبَهُ

في وَثبَةِ البوحِ أو تعتيمِ غَسَّاقِ

ناصر الخزيم

29 / 4 / 1438

اخرجْ إليه..!

في والدي الحبيب، رحمه الله، وقد رأيته يخرج على كرسي المقعدين، في أواخِر أيامه، يلتمس دفء الشمس ونقاء الهواء، ويقلّب نظرَه متأملا، وتقلبه الآلامُ متصبرا.



اخرُجْ إليهِ وراقِبْ مُقْلةً هطِلَةْ

وانثُرْ رؤاكَ على نَظْراتِهِ الوَجِلَةْ

قد كان يسعى، كصبحٍ، ناشرًا أرَجًا

فأطفأَ الصُّبْحَ داءٌ جاثِمٌ شَغَلَهْ

كأنَّ في صمتِهَ أنشودةً أخَذَتْ

أصداءَ فكرَتِه، قد أغْرَقَتْ عِوَلَهْ

فغاصَ في عُمقِها نورًا إلى لُجج

يعيد نظرتَه مستشرِفًا أمَلَهْ

فضجَّ في صدرِه طِفلٌ تُداعبُهُ

نُعْمَى الحياةِ وأُمٌّ شكَّلَتْ حُلَلَهْ

وأقبَلَتْ تسرقُ الأشجانَ قافيةٌ

بكَتْ شبابًا مضى أوراقُه خَضِلَةْ

فأغمَدَتْ ناصِعَ الآمالِ غاشِيَةٌ

مِنَ الكُلومِ تُعيدُ الجُرْحَ مُنفَعِلَةْ

اخرجْ إليه.. فإنَّ الدمعَ يصحبُهُ

إلى شُجونٍ تُذيبُ الرُّوحَ مُبْتَهِلَةْ

إلى رُواءٍ أحالَ الداءُ بهجتَهُ

وأسفَرَ الحُلْمُ عن سجنٍ حوى عِلَلَهْ

إلى ارتجافِ الرؤى مِنْ بين عازفَةٍ

أنينَ نَفْسٍ وَهَتْ، أو بَسْمَةٍ خَجِلَةْ


قد كانَ يصهلُ في أثوابِهِ فرَسٌ

فصار يعيى إذا ما سائِلٌ سأَلَهْ

قد كان في رِفْعَةِ التوبادِ يملؤنَا

مهابَةً فطَمَتْ آلامُهُ جَبَلَهْ

اخرجْ إليه تجدْهُ قصَّةً نَسَجَتْ

حُبًّا، وأطوارَ دَهْرٍ قلّبَتْ دُوَلَهْ

اخْرُجْ إليهِ وأخرِجْ من خريطَتِهِ

-بأعذبِ القولِ- وهْمًا مُحزنًا دَخَلَهْ

ناصر بن عبد الله الخزيم
١٣ / ٥ / ١٤٣٨

صَوتُ أبي !

في أبي رحمه الله، الذي رحَلَ وهو يُحاولُ أن يقول لنا شيئا فأعياهُ المرض -أعظم الله له الأجر وأسكنَه فسيح جناتِه!-


ذهبَتْ في حُلوكةِ الفَقدِ نفسٌ
كانت الظّلَّ وارفًا في الهجيرِ

كانت الحُبّ والأمانَ، وكنّا
بذرةً في ثرَى رُباها النضيرِ

"يا أبي"..
ليتَ أنّ صوتًا كبشرىٰ
يهتكُ الحُجْبَ بالجوابِ المنيرِ!

"يا أبي"..
ليت أنّ همسَةَ بوحٍ
أو عتابٍ تجيءُ مثلَ العبيرِ

يا أبي، صوتُكَ المُعلّمُ كُتْبٌ
لستُ فيها سوى كتابٍ صغيرِ

آهِ، يا ليتَ أنَّ في فيكَ شيئا
من بقايا الحروفِ تروي ضميري

قد بدأنا بصفحة العمرِ عُمرًا
كلّ صُبحٍ تقولُ: "قُمْ يا صغيري"

وانتهتْ قصةُ الحياةِ بلحدٍ
هل إذا قلتُ: قم! تجيبُ زفيري؟!

أسأل الله أن يمنّ بعفوٍ
فأبي في جوارِ ربٍّ غفورِ!


ناصر بن عبد الله بن ناصر الخزيّم

غفلة وندم



سؤالٌ لن يُضمِّدَه الجوابُ
وسِرٌّ لا يغطيهِ الحِجابُ

ينادي النفسَ للإيمانِ وَعْظٌ
فتبكي، ثمَّ يغمرُها الضبابُ!

ويسرِقُها إلى الآفاتِ لهوٌ
فيَفقدها إذا أمسى الصَّوابُ

وتنسَى كلَّما ركضَتْ وهامَتْ
بأنَّ العُمرَ يطلبُه الغِيَابُ

وأنَّ حصيلَةَ الترحالِ خِدْنٌ
لها إنْ غيَّبَ الجَسَدَ الترابُ!

لماذا نُطعِمُ الأرواحَ جوعًا
وقوتُ الروحِ يكسوهُ الشّهابُ؟

لماذا نُذهبُ الأيامَ هدرًا؟
سيحويها –كما ندري- كِتابُ!

لماذا نمطلُ الأنفاسَ عَوْدًا
إلى الحُسنَى، وقد ذهبَ الشبابُ؟

علِمنا غيرَ أنَّ الجهلَ فينا
يصاحبُه الترحُّلُ والإيابُ

يكاثِرُ بعضُنا بالمالِ بعضًا
فيكثِرُ من تناوِشِنا السرابُ

وللدنيا بقلبِ المرءِ مِنَّا
صنيعُ السّحرِ عُقْدَتُهُ عُجابُ

سؤالي ليس لغزا غير أني
أُفَكِّرُ ثُمَّ يُذهلني المُصابُ

أفكّرُ في طريقٍ خِلْتُ سَهْلا
فتجذبني عن السير الرّغابُ

أفكرُ في ضمير النفسِ يغفو
وقد حاذى سنا المجدِ الرِّكابُ

أفكّرُ في قُصورِ الجهلِ تُبْنَى
وتَخرقُ فرصَةَ الهدمِ الحِرابُ!

وفي عُمرٍ رفيقِ اللهوِ، ماذا
إذا وافَى حصائِدَه الحسابُ؟!

ناصر الخزيم

٤ / ٣ / ١٤٣٨

وجع الجفاء



الشكُّ أخفَىٰ بسمَتَكْ
والهجرُ أذوى نبتَتَكْ

والذكرياتُ الباسماتُ
أتَتْ لِتُسْبِلَ دمْعَتَكْ

لا زلتَ تعلمُ أنّها
روضٌ تمنّىٰ فيئَتَكْ

فعلامَ تسرقُكَ الظنونُ
وأنتَ تعرفُ وِجهتَكْ؟

وعلامَ ينسحبُ السؤالُ
وفيه أنسفُ حيرَتَكْ؟!


ولأيٍ شيءٍ لفظتِي
كالبرْدِ تُجْفِلُ لَفْظَتَكْ؟!

         ▫️


ولأيِّ شيءٍ صمتُنا
أرسى الفتورَ وشتَتَكْ

            
          ▫️

البوحُ ينثرُ أسطرًا
فيها تُعالجُ قِصّتَكْ !

لا زلتُ -مع وجَعِ الجفاءِ-
أُطِلُّ.. أرقُبُ طلعَتَكْ !

لا زالَ قلبي حافلا
بالوُدِّ يهوىٰ فرحَتَكْ !


#ناصر_الخزيم

١٤٣٨ / ٢ / ٢٩

المصدر: واقعة وقَعَتْ !

هذه خاطرة كتبتُها قبل سنوات، وبدا لي أنّ موضوعَها مهمٌ يحسُن التنبيه عليه، 
ولذا أنشرُه مع تعديلات طفيفة.


بسم الله الرحمن الرحيم

عجيبٌ أمر ذلك الميزان الذي يزن به كثير من الناس شعوبًا وقبائل وطوائف، فتسمع من يحكم على الشعب الفلاني بسوءة رآها من فرْدٍ منهم!

بلغني عن امرأة ليست من السعوديَّة تزوَّجت رجلا سعوديا، فمات عنها فلقيَتْ من إخوتِه ظلمًا بليغًا،
وقد جعلتْ ذلك الظلمَ ذريعةً إلى الطعن في شعب كاملٍ ودولة!

وأنا آسَفُ على ما جرى على تلك المرأة من الظلم ولا أرضى ذلك على مسلم أو مسلمة، وأتمنى لتلك المرأة الخير والسعادة؛ لكنني لا أرضى لها أن تجمع مع الظلم الذي أصابها ظلمًا تبعث به إلى شعب كامل!

فالظلم قد وصلها من أشخاص لا من شعب، (ولا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى)!

وتصرُّف هذه المرأة تصرُّفٌ شائع –وللأسف- في الناس؛ إذ ينطلق الواحد منهم بحكم على شعبٍ أو قبيلة... من فعلةِ سوءٍ قام بها فرد واحد!

وهذا نقص في العقل ونؤي عن العدل.

ومن ذلك ما نسمعه من بعض الشباب من لمز لأصحاب اللحى وتحقير لهم وكل ذلك بسبب حكايات تحكَى عن بعض الملتحين.
والذام –ذما مطلقا- لأصحاب اللحى واقع في مصائب ثلاث: نقص الدين ونقص العقل ونقص المروءة:

أما نقص الدين فظاهر؛ إذ الدين يأمر بإعفاء اللحية، ومن يذم الملتحي لأنه ملتحي فهو ذام لشيء من الدين.

أما نقص العقل: فلأن أصحاب اللحى لا تجمعهم فكرة أو طبع أو سلوك يستحقون الذم بها؛ بل هم أجناس متفرقة، لهم أطباع متباينة وأخلاق مختلفة.

والذام لهم بإطلاق قد جعلهم بمنزلة واحدة من طبع أو فكرة أو سلوك، وهذا من ضعف التفكير.

ثم إنَّ الحاكم على أهل اللحى بالمذمة بسبب موقف حصل من ملتح: حاكمٌ ضعيف الأداة لأنه حكم على جماعة بفعل فرد أو أفراد.
ولأن تعليق الخطأ باللحية وأصحاب اللحية تعليق لا موجبَ له.

أما نقص المروءة: فلأن اللحية زينة للرجال ومعفي اللحية باق على الأصل المعروف عن الرجل المسلم، والمتنقص منها منتقص لخصلة من خصال المروءة والكمال، وهذا الفعل محادة للمروءة.

وأخيرا أقول: إن الفعل السيء إذا كان ناتجا عن أصل فاسد اجتمعت على الأخذ به طائفة من الناس ساغ أن يكون ذريعة لثلبهم، أما أن يكون الثلب للأصل الصالح بسبب فعل لا علاقة لذلك الأصل به (كمن سرق وهو يشهد شهادة التوحيد، فيأتي من يطعن بالإسلام لأنَّه عرف سارقًا مسلما) فهذا جور في الحكم وحيدة عن الصواب.

ناصر الخزيم

13 / 7 / 1428هـ.